صدر الكتاب عن دار الناشر. رام الله.
هذا الكتاب يُعنى بشرح الـ “منطق الإيقاعي” الذي يميّز شعر العرب. وبالتالي فهو ليس كتابًا لتدريس علم “العروض” بأسلوب حديث؛ ولا هو آتٍ بطرح بديلٍ لنظرية الفراهيدي.
برغم كثرة الدراسات التي حاولت تناول “موسيقى” الشعر وبُحورِه، عبر تاريخنا الثقافي، إلا أن السرّ الجوهري الكامن وراء هذه البحور بقي، على ما يبدو، لغزًا مبهمًا منذ أيام الفراهيدي وحتى يومنا. قد تفاجئنا بعض الانتقادات المتحفظة، أو المتهكّمة، والتي تناولت علم العروض قديمًا؛ لكونها توحي بعدم اقتناع بعض من كبار أدمغة ذلك العصر بأهمية، بل عبقرية، الـ”خارطة الجينيّة” التي قام الخليل برسمها. من ذلك مثلاً، قول النظّام، إمام المعتزلة، بأن “دوائر الخليل” لا يحتاج إليها غيره؛ أو قول تلميذه، الجاحظ، بأن العروض علمٌ مستبرَد، لا فائدةَ له ولا محصول. حتى لو وضعنا مواقف واعتبارات علماء العباسيين جانبًا، وتخطيّنا جميع الحقب الزمانية وصولًا إلى القرن المنصرم، لشعرنا أن النهضة الشعرية في القرن العشرين لم تجد، هي الأخرى، صدًى نهضويًّا متناغمًا في قواعد العروض القديمة؛ بل وجدت نفسَها حيالَ منظومةٍ متصلّبة من “الشّرائع” المتوارثة، تستعصي تمامًا على أي تفكيك أو إعادة تقويم. هذا ما صعّبَ على شعراء النهضة عملية تليين فنّ الإيقاع الشعري، وتحريره من صيغة الفرائض المتحجّرة؛ لا بل صعّب على باحثيها أيضًا مسألة بعث هذا الفن ضمن أساليب مستحدثة. في خمسينيات القرن العشرين، وبعد مرور أحدَ عشرَ قرنًا على وفاة الجاحظ، صاحب المقولة المذكورة أعلاه، نقرأ القول التالي للدكتور إبراهيم أنيس:
“ولستُ أعلمُ علمًا من علوم العربيّة قد اشتملَ على عددٍ غريبٍ من المصطلحات مثل ما اشتمل عليه العروض على قلة أوزانِه وتَحدّدها” إبراهيم أنيس. موسيقى الشعر العربي، ص ٤٩.
ويضيف في موضع آخر:
“وقد ظل الناس يتدارسون قواعد الخليل ويتفهمونها حتى أيامنا هذه لم يزد واحدٌ عليها حرفًا، بل لقد وقفوا عند الأبيات التي استشهد بها الخليل وأصحابه، لا يتعدونها إلا فيما ندر من الأحوال، ولا همَّ لهم إلا تحصيل تلك القواعد، يرددون مصطلحاتها، وينشدون شواهدها دون إصغاء في غالب الأحيان إلى ما اشتملت عليه من نغم وموسيقى” م. س. ص ٤٧-٤٨.
إن دلّت هذه الأقوال جميعها على شيء فهو أن “علم العروض” لَم يصرّح بـ”مَنطِقِه” الإيقاعي؛ أو قل إنه لم يبُح بالـ”لوﭼـوس الموسيقي” الكامن فيه، ليس بشكل مباشر على الأقل. ونحن إذا قرأنا كافة النصوص المتعلّقة بـ”علم العروض”، قديمها كحديثها، نشعر فعلًا أنها تحاول إخضاعَنا لمنظومة شرائعَ صارمة؛ لا تُعنى إلا بإمكانيات تصريف كلمات مبتكرة مثل “مستفعلن” وأخواتها، وتعداد ما قد ينزل بها من “قَطع وحَذّ”، أو “ثَلم وخَرمٍ وصَلم”؛ فنجد أنفسنا متسائلين: أين الجماليات في هذا “العلم” الجاف؟ أين الموسيقى؟ أين التناغم الإيقاعي الصادح من معلّقات الجاهليين؟!
لربما عاد هذا اللبس إلى كون الفراهيدي، وهو النّحويّ الأشهر في زمانه، قد ارتأى أن يفسّر ظاهرة “إيقاع الشعر” قياسًا على “علمِ الصّرف” ومعاييره الرائجة في تلك الفترة؛ وليس قياسًا على عِلمِ “الإيقاع”. فكان من الطبيعي أن يُتداول “علم العروض” في حلقات النحَويِّين من زملاء الخليل وتلامذته؛ وليس في حلقات “الإيقاعيين”، إن وجدت كهذه حينها؛ ولا حتى في حلقات الموسيقيين، الذين لم يجرؤوا على الإدلاء بدلوهم في هذا المضمار؛ وهو المعتبر حصريًّا على فقهاء اللغة، لا لشيء إلا لكون “اللغة قوامَ الشّعر”. كانت النتيجة أن أئمّة العروض القدماء ورّثونا لوائح تلوَ لوائح من القواعد “الصّرفية” بأحكامها المطلقة وبجوازاتها وممنوعاتها، دونما تفسير أو تعليل إيقاعي حقيقي واحد!. وحين يقول أنيس، مُحِقًّا، “دون إصغاء”، فهو يؤكد ما أطرحه هنا بخصوص استفراد النحويين بعلم العروض دون “الإيقاعيين” والموسيقيين؛ وبكلماته الأخرى هو يؤكد اهتمام عروضيينا القدامى بإعمال المنطق النَّحَوي-صَرفي دونَ الأُذُن.
من هنا تأتي أولى أهميات هذا الكتاب؛ فإن فتح أبواب “العَروض” أمام نهج التحليل الإيقاعي، وبالتالي خلْق فسحة للتلاقي ما بين حقول علميّة مختلفة، من شأنه أن يعود بالفائدة على الثقافة الشعرية العربية، كما على الثقافة الإيقاعية أيضًا.
العائق الوحيد الذي كان يحول ما بيننا وبين ذاك الإنجاز العبقري للفراهيدي، هو تلك العباءة السميكة من المسميات والتصنيفات والأحكام “الصرفية”، والتي قدم الخليل خلاصاته الإيقاعية مدثّرةً بها. أي بصيغةٍ قابلةٍ للتلقين، المشافهة، المذاكرة والانتشار بين عموم المهتمين بعلوم النحو والفقه والأدب؛ وهؤلاء لم يحتاجوا أية مهارات سمعية أو إيقاعية في مجالات اختصاصهم. النتيجة كانت، كما ذكر سابقًا، أن الموسيقيين قلّما تناولوا “العروض” بدراسات عميقة وجديّة؛ ولا هُم حاولوا إعادة طرح خلاصات الخليل، بعد تفكيكها بنهج إيقاعي حقيقي. ولكن إذا عدنا اليوم إلى نظرية الخليل وتخطينا جميع التفصيليات المعقّدة، والحواجز المصطلحيّة، وقمنا بتحليلها من منطلق إيقاعي صرف؛ أي: لو قمنا بترجمة جميع الديباجات العروضية إلى لغةٍ إيقاعية خالصة، لوجدنا أن الرجل كان قد نجح فعلاً في تفكيك الـ”عقيدة الإيقاعية” الكامنة في أذهان شعرائنا الأوائل؛ على جميع تركيباتها وتلوّناتها واشتقاقاتها. وبكلمات أخرى، هو قد تمكن من استقراء المنابع الحقيقية لكل ما تعودنا أن نسميه اصطلاحًا: “الفطرة الإيقاعية لدى الشعراء القدامى”. هذا الاستدلال من خلال “جزئيات” الإيقاع الشعري المتناقل، وصولًا إلى الـ”تفاعيل” فالـ”بحور”، ومنها إلى “الدائرة”، (وهي السلسلة الإيقاعية الأم والتي تشمل عائلةً من البحور)، هو إنجاز غير مسبوق وغير ملحوق في تاريخ علوم الثقافة العربية. بناءً عليه، فإن إدخال “النظرية الإيقاعية” على حقل “اللسانيّات”، وتتبّع فوائد تقاطعهما في موضوع “العروض”، هو واجب ثقافي وتاريخي هام يقع على عاتق المشتغلين في علم الموسيقى والإيقاع أيضًا؛ وليس ينبغي أن يظل حكرًا على “اللسانيين” وحدهم.
اليوم، وبعد مضي أكثر من ٦٠ عامًا على كلمات إبراهيم أنيس، وأيضًا على ولادة أول قصيدة عربية بأسلوب الـ”شعر الحر”، نجد أنفسَنا وثقافتَنا الشعرية العربية على مفترقٍ ضبابيّ: إلى أين نمضي من هنا؟! والضبابية التي أعنيها هي أولاً: ما المقصود بهذا الـ”هنا”؟ هل استنفدت شعريتنا العربية مرحلة “الشعر الحر”؟ وما المقصود بالـ”شعر الحر”؟ هل هو “قصيدة الشطر”؟ “قصيدة التفعيلة”؟ القصيدة “المدوّرة”؟ وهل نحن مجمعون على دلالات هذه التسميات؟!
– الجواب هو: كلا!. فكل من يتابع مسيرة الشعر المعاصر يلمس نوعًا من “غياب البوصلة”؛ سواء في وسط الشعراء، أم في وسط النقاد والدارسين. الأول يطالب، مُحقًّا، بإطلاق العنان لحريته الإبداعية، دون إخضاعها لـ”قواعدَ أكل الدهر عليها وشرب”. والثاني يحاول، عبثًا، “قَوعَدة” إبداعات الشعر المعاصر، والحكم عليها وفقًا لـ”تعليمات” علم العروض القديم بحذافيرها؛ ودونما اعتبار لاختلاف متطلبات العصر لغةً وإيقاعًا. المعضلة تكمن في كون كلا الطرفين على حق؛ فمن جهة لا يجوز لنا إلزام شاعر معاصر بركوب “راحلة المتنبّي”؛ ومن الجهة الأخرى لَسنا نُتيح لهُ “الخروج عن وزن الخليل” خطوةً واحدة! وكأنّا بهذا سنجيز له نصبَ “المبتدأ” أو جرَّ “الخبر”. وبالنتيجة فقد اجتهد شعراء النصف الثاني من القرن العشرين، كلٌّ على حِدَة، في محاولة تكوين لغةٍ إيقاعية متمخضة عن تجاربهم الشخصية؛ دونما نشوزٍ بائنٍ عن “معايير” الخليل، وهذا كله طبيعي لأي تطوّر ثقافي-حضاري في تاريخ البشرية. ولكن، يبدو وكأن “تجارب” شعرائنا الإيقاعية لم تحظَ بما تستحق من معاينةٍ وتقويم؛ وبالتالي فهي بقيت، بمعظمها، تجاربَ لم تؤتَ ثمارها. وهكذا نقرأ في العام ٢٠١٠ قولَ الشاعر اللبناني المعاصر طلال حيدر:
“فعليًّا الفراهيدي لم يأتِ ببحورٍ معينة فكتب عليها الشعراء، بل إن “التوتّر النّفسي” الناتج عن الظروف والانفعالات التي كانت تسكن الشّعراء هو الذي فرض إيقاعاتٍ معيّنة كتبوا عليها، وسمّاها الفراهيدي بحورًا، واليوم نحن بحاجة “لتوتّر سيمفوني” يرافق الانفعالات التي يعيشها الإنسان العربيّ، يضعها فراهيدي جديد” مقابلة مع فوزي باكير، صحيفة الغد، ٢٢-١٢-٢٠١٠.
هذا الكلام يلخص ما ذكر سابقًا عن الإحساس بغياب البوصلة؛ وطلال حيدر هو من الشعراء المعروفين بـ”هاجسهم الإيقاعي”، وباهتمامهم الدائم بتطوير وتحديث اللغة الإيقاعية. هنا نجده يشخّص حالةً من التّيه لا زالت تهيمن على شعرنا؛ وذلك نظرًا لانعدام “مرجعية عروضية” تتناغم مع متطلّبات الأذن العربية المعاصرة. فيبدو من كلامه أن شاعر السبعينيات لم يستفد من ثمار تجربة الخمسينيات، وشاعر الثمانينيات لم يثق بثمار تجربة الستينيات، وشاعر التسعينيات ارتأى أن يهجر الإيقاع الشعري العربي كلّيًا لصالح “قصيدة النثر”. بمعنى أن التجارب والتحديثات التي حصلت في النصف الثاني من القرن العشرين، وعلى وفرتها وتنوعها، لم تتراكم ولم تُقَنَّن ليتشكّل منها “مرسًى عروضيٌّ” جديد، ينال ثقة الشعراء. ومن شأن “حالة التّيه” الإيقاعية هذه أن تطرح علينا تساؤلًا جوهريًا:
– هل أصبحنا اليوم على قطيعة مع أبجديتنا الإيقاعية؟! وهل يمكن لأبجدية ما أن تفشل في مواكبة عصر معين، فتُهجر وتندثر؟!
– الجواب هو بالنّفي. فهذا الكتاب يرسّخ الاعتقاد بكون البحور تولّدت طبيعيًّا وعضويًّا من صميم اللغة العربية الفصحى؛ وبعدم كونها منتجًا تمّ استحضاره من ثقافات أخرى. بناءً عليه، فمن الطبيعي أن تحافظ الأبجدية الإيقاعية على راهنيتها ما دامت اللغة حيّةً في آدابنا. ومن هنا يتفق هذا الطرح تمامًا مع كلام الشاعر محمود درويش: “لا يجب أن تغادر الأذنُ العربية وطنَها الموسيقي”؛ وأيضًا مع قوله: “في داخل الوزن نستطيع أن نشتق إيقاعاتٍ جديدةً وطريقةَ تنفس شعرية جديدة، تُخرج الشعر من الرتابة ومن القرقعة الخارجية” حوار مع عبده وازن، صحيفة الحياة، ١٤-١٢-٢٠٠٥. انطلاقًا من مقولة درويش هذه، ومن التزامه التامّ بها حتى آخر أعماله، يخصص هذا الكتاب بابًا للخوض في مراحل تبلور المعجم الإيقاعي لشعر درويش؛ وذلك بناءً على تطور لغته الإيقاعية عبر قصائد محوريّة. ويوضّح بهذا آفاقَ الحرية التي قد يتيحها بعض شعراء الحداثة لأنفسهم دون أن يهملوا الأبجدية الإيقاعية العربية؛ أو “دون أن تغادر الأذن العربية وطنَها الموسيقي”.
ومن أهميات هذا الكتاب أنه يفرد بابًا خاصًا بـ”إيقاع الشعر المَحكيّ”، ويتتبع انتقال بعض أهم الأبجديات الإيقاعية من شعر الفصحى إلى شعر اللهجات المحكية. هذا إلى جانب رصد التغييرات التي تطرأ على إيقاع الشعر المحكي بسبب خصوصيات اللهجات وعدم التزامها الإعراب. فضلًا عن التطرق إلى الشعر النبطي، المصري، العراقي والشّامي، يتناول هذا الباب بعض القصائد الحداثية من الشعر المحكي؛ وينوّه بتجديدات بنيوية-إيقاعية أتى بها شعراء من أمثال فؤاد حداد، مظفّر النوّاب وطلال حيدر. وهذه قد لا تقلّ نضارةً عن تحديثات شعر الفصحى؛ ومن شأنها أن تكوّن آفاقًا مضيئةً ومُلهمةً لشعرائنا الشُبّان.
وبكلمات أخرى، المحور الهامّ لهذا الكتاب يقوم على تتبُّع “المنطق الإيقاعي” منذ بزوغه في أوائل معلقات الجاهليين، وانتهاءً بإعادة بلورته في أذهان بعض شعراء الحداثة؛ وكلهم شعراء نجحوا باشتقاق “إيقاعيات وطرق تنفس شعرية جديدة”، ضمن “منظومة الخليل” بمفهومها الواسع، وليس بحيثياتها وحذافيرها الكلاسيكية. وهذا الكتاب يبرهن أنهم نجحوا في تخطّي الشكليّات والنمطيّات العُرفية، التي يفرضها “علم العروض”، وتوصلوا إلى جوهر “العقيدة الإيقاعية” المُشَفَّرة وراء نصوص هذا العلم العريق؛ وهكذا تمكن كل منهم أن يبلورَ معجمه الإيقاعي الشخصي، المستحدث والمتناغم تمامًا مع أبجدية الإيقاع العربي. ولو عدنا إلى مقتبس طلال حيدر أعلاه، فكل من هؤلاء الشعراء تحوّل واقعًا إلى “فراهيدي جديد”.
خلاصة تجديدات هذا الكتاب
- يأتي هذا الكتاب من ضرورة تناول الموازين الشعرية، قديمها كحديثها، من منظور مختلف تمامًا عن الأسلوب التعليمي التلقيني. وأقصد هنا المنظور التفاعلي-سمعي، المعتمد على الإنصات للحركة الإيقاعية الفعلية التي تميّز هذا الميزان أو ذاك. وهذا يعني ضرورة “فهم المسموع”، لنتمكن من تقييم جمالياته باستشعار تناغماتِ دفقه الإيقاعي، ومواضعَ لينه وشدّته؛ وليس بمجرد قبوله كمسلّمات قديمة ومتوارثة.
- ويأتي من ضرورة إعطاءِ أنفسِنا، وشعرائِنا، فرصةَ اللقاء الحقيقي بإيقاعيات لغتنا العربية؛ والتعرف على بلاغتها الموسيقية بإعمال الأذن مباشرةً، ودون وساطة ما يحيط بإيقاع الشعر من مصطلحات شائكة، لا وظيفةَ لها اليوم إلا حجبُ الوَقع عن السمع.
- كل ذلك لا يتم إلا بواسطة تحليل وفهم الـ”أبجدية الإيقاعية” لشعر العرب، بدل الاكتفاء بحفظها وترديدها كمنجزات ومتتاليات راسخة. من هنا فهذا الكتاب يتوخّى الكشف عن المنطوق الإيقاعي المجرد للنص الشعري؛ وذلك باستخدام وسائل إيقاعية بسيطة وواضحة، تمكن القارئ من استيعاب الإيقاع الشعري والإحساس به بسهولة.
- تدقيق وتوضيح مفاهيم أساسية صار يعتريها الكثير من اللبس، سواء بين الشعراء وبعضهم، أو حتى بين الموسيقيين؛ مثل: وزن، ميزان، بحر، إيقاع. مبنى الشطرين، لماذا؟. التفعيلة كـ”وحدة دفع ديناميكية”. تناغم التفاعيل وتنافرها. الشطر كـ”وحدة ميزانيّة”. التماسك الهرمي لإيقاع البيت الشعري. التطرق لأول مرة إلى طبيعة العلاقة ما بين: الميزان الموسيقي، وبين: الميزان الشعري؛ ونوع الديناميكية التي تولّفهما معًا في القصيدة. هذا بالإضافة إلى تعريف مفاهيمَ جوهرية تتعلق بالشعر الحر: المنطق البنيوي. الشطر الحديث. قصيدة الشطر. قصيدة التفعيلة. قصيدة السلسلة. البيت الإيقاعي…إلخ.
- الزِّحاف، ضرورات شعرية لا بد منها، أم خيارات جمالية؟. الزِّحاف هو موضوع خلافيّ بين نقاد الشعر؛ فالبعض يراه “ضرورةً شعرية”، أي شرًّا لا بد منه. أما هذا الكتاب فيوضّح ويبرهن أن الزِّحاف ليس خللاً، ولا هو نابعٌ عن عدم قدرة الشاعر على توظيف كلمة بإيقاعية معينة في موضع معين. بل على العكس، فالزحاف هو أحد أُسس المُرونة في إيقاع الشعر؛ ولولا استخدامُه لتصلبت إيقاعيات البحور وتقلصّت لونياتُها.
- فرادةُ الشاعر بلاغتُه الإيقاعية. اللغة الإيقاعية الشخصية للشاعر لم تنل اهتمامًا من العلماء في تاريخنا الثقافي؛ ربما نبع ذلك من كون الشعراء “أتقنوا” العروض بطبيعة الحال، تمامًا كما أتقنوا قواعد اللغة، فلم يجد العلماء حاجةً للإشارة إلى الـ”ملكة الإيقاعية” التي يتمتع بها شاعر ما. مع ذلك فهذا الكتاب يرى أن البلاغة الإيقاعية هي مهارةٌ فردية يمتاز بها شاعر عن آخر. بناءً عليه أُفردَ بابٌ كامل للتعرف على “إيقاع امرئ القيس”، وذلك من خلال تحليل تفصيلي للتأليف الإيقاعي الذي يميز “مشاهد” منتخبة من معلّقته؛ ومن الطرف التاريخي الآخر أفرد بابٌ للتعرف على “إيقاع محمود درويش”، وذلك بواسطة تحليل إيقاعي لقصائد مفصلية من مسيرة تطوّر معجمه الإيقاعي.
- كيف نفكك إيقاع القصيدة الحديثة؟! هذا الكتاب لا يرى أيّ جدوى في تحليل القصائد الحديثة قياسًا على “بحور” الخليل، كما جرت العادة في كثير من الدراسات؛ وبالتالي فهو يقترح أسلوبًا مختلفًا لتناول المبنى الإيقاعي للقصيدة الحرّة؛ سواءٌ كانت تلك قصيدة شطر، أم قصيدة تفعيلة، أم قصيدة سلسلة.
نهايةً، هذا الكتاب لا يتطلب من القارئ معرفةً مسبقة بأيّة قواعد موسيقية، أو بقراءة النوطة؛ كذلك لا يشترطُ إلمامًا مسبقًا بعلم العروض.