يهوى ثنائي سي لمهف بناء التوقعات وكسرها، إذ يتنقلان بين صوتٍ وآخر مع كلّ إصدار بشكلٍ عصيٍّ على التنبؤ؛ وكأنّنا نتعامل مع فرقة جديدة كل مرّة. يرسّخ ألبوم أبدايت هذه السمعة. خلق الثنائي توقّعاتٍ زائفة عندما أصدرا دخلة الألبوم، إمبوستر، قبل أسبوعين من صدوره. أنبأتنا إمبوستر بمزاجٍ غاضب، ومالت نحو التراب عبر جيتارٍ كهربائي منقوعٍ في الديستورشن، وإيقاعات قاتمة رافقها مهدي الصغير بأسطرٍ حانقة. ترسخت ثيمة الأغنية القاتمة عبر فيديو ملحمي مصوّر ليلًا في غابة.
سرعان ما سقطت التنبؤات ومحاولات التصنيف عندما صدر الألبوم. اتضح أنّ الثنائي قد استبعدا فكرة الألبوم المفاهيمي (concept album) لصالح عملٍ متعدد الجنرات، يتجاوز عفوية إصداراتهم الأولى. اقترب مهدي ومنذر هذه المرة من الصورة الأكثر اكتمالًا لألبوم بوب طويل، تخلّلته إيقاعات متنوعة من التراب والتكنو والروك والدريل والريجاتون.
تبرز في الألبوم أه برو التي جمعت الثنائي مع إل كاسترو، إذ قدّما من خلالها عينةً من هويتهما الخاصة الضائعة وسط التنويع. تكشف الأغنية عن أسلوب سي لمهف اللعوب الذي شهدناه في فك عاد وهاو الحس وبمبي، القريب من اللامبالاة العابثة في أعمال نشار وزمكان. يتلاعب مهدي الصغير بالنص ويستعمل حيل القجمي (لغة مشفرة اخترعها المساجين وأبناء الأحياء في تونس) عبر تقطيع الكلمات وبتر حروفها: “شو اكا الستيل شو اكا اللوم شو أكا الز”، فيما تضيف العينات الصوتية المعدّلة في الخلفية طابعًا مرحًا.
اتّبع الثنائي في بعض الأغاني توجهًا رائجًا في الموسيقى الرائجة، حيث قدّما وصفةً من إيقاعات البوب المواكبة عالميًا، مثل جنة، وتوب التي تعاونا فيها مع أمل غربي؛ فيما عزّزت بقيّة التعاونات مع سمارا وأرماستا رغبة سي لمهف في تقديم نفسيهما كورقة جوكر في الراب التونسي، عبر الجمع بين جنرات وأسماءٍ مختلفة في كل مرة. أظهرت هذه التعاونات أيضًا انتقال الثنائي من خانة المشهد البديل، بجوار أسماءٍ مثل بنديرمان وآمال المثلوثي وبديعة بوحريزي في بدايات العقد الماضي، إلى موقعٍ يتشاركان فيه بقعة الضوء مع نجوم الموسيقى الرائجة.
يلعب سي لمهف في أبدايت على البراعة أكثر من الأسلوب، ليتملّكان أصواتًا لم تقترن بهما من قبل؛ وبينما يأخذان خطوةً إلى الوراء بالنسبة لتكوين شخصيّة ثابتة تنضج إصدارًا تلو الآخر، يستمرّان بالتقدّم وسط ساحة البوب البديل وغير المتوقّع.
كتب هذه المراجعة كل من آمنة معرّف وهيكل حزقي.