بقدر ما أراحتنا إصدارات العام من الحيرة، بقدر ما استكشفنا أعدادها الهائلة بأمل. بدا لأغلب الوقت أن بحر الاحتمالات الذي تدفق من القوالب التراثية العراقية في السنوات الماضية أوشك أن يجف، وأن اللهاث وراء التواجد أو المحافظة على الانتشار في الميدان الخليجي المزدحم أفقد الأغنية الخليجية تفوق النص واللحن، وحرم الموزعين من الوقت اللازم لتعويض القصور. أنقذ الموقف عودة أسماء كبيرة إلى رأس حرفتهم، وظهور أصوات جديدة تنعش خيال من يتعاونون معهم، مع حضور أكبر للموسيقى اليمنية، كبيرة السحرة، والأغاني التي تصادف أن تكاملت عناصرها. في النهاية أثمر التنقيب عن ١٨ من أفضل الأغاني الخليجية والعراقية التي ترقى للمنافسة كما يجب أن تكون في كل عام.
القائمة كاملة على يوتيوب
إحرموني | رابح صقر
صوت رابح صقر مغرٍ للتجريب، وهو واعٍ لذلك بشكل أثمر اسمه الكبير اليوم. لا يتطلب الأمر الكثير من البحث للتأكد من أن ياسر بوعلي، رغم موهبته التلحينية، نادرًا ما يتأنى لتنضج ثمار الموهبة، ولرابح نصيب الأسد من الثمار المعتّقة. من ناحية أخرى، الموزع عصام الشرايطي ومهندس الصوت جاسم محمد لا يحتاجون المحفز بقدر بوعلي، بل وقد يصل بهما الأمر إلى عدم الاكتراث للتباين بين مستوى المؤدي ومستوى الصوت الذي يصقلونه، فهم يثمنون المنافسة، ورابح على قدرها. النتيجة بديعة وإحدى أهم إنتاجات العام خليجيًا وعربيًا، إحرموني.
أنا فاقدك | شمة حمدان
هذه أغنية شتوية، حميمية بشكل يُعطي إحساسًا محببًا بالتلصص، خاصةً أن كل من عمل على الأغنية تعامل معها من هذا الباب. لم تجد نجمة آرابز جت تالنت الإماراتية شمّة حمدان في كلمات وألحان تركي الشريف سببًا للاستعراض، ولا رأى الموزع محمد سلطان مساحة لأية افتكاسات، فقط صوت قرقعة حطب مدفأة في البداية ثم جيتار شمة حمدان متحاورًا مع عود.
كالوها قبلك | حسن نسيم
بدأ صعود حسن نسيم الفعلي مع أغنية باي باي العام الماضي، ومع ضربة فزت بيج هذا العام أصبح نجمًا بشكل رسمي في ميدان أغنية البوب العراقية شديد التنافسية. لم يتخلص نسيم بعد من ظل نور الزين في ألحانه، لكنه عثر في هذه الأغنية على من يستطيع تحويل الانتباه عن ذلك إلى الاستمتاع بالأغنية المغرية بالأداء الجماعي، وهو عازف الأورغ الحرّيف والموزّع سجاد منصور. الأورغ محور توزيع سجاد وألمع ميزة فيه، وهو ما سيعيدك إلى الأغنية مرارًا.
تراك واضح | نادر الشراري
نادر الشراري واحد من أبرز مؤدّي الشيلات العاطفية والوطنية الضاربة على مدار السنوات الثلاث الماضية، ومن القلائل الذين لا يحتاجون الأوتوتيون الذي أصبح من قواعد الشيلات، ليس فقط لجودة أدائه، بل لاحتواء صوته بطبيعته على نبرة الأوتوتيون المرغوبة. تراك واضح أهم شيلة للشراري هذا العام رغم عدم تفوقها بالأرقام، بإيقاعها الضارب والوتريات المنطربة بصوت الشراري.
أبستوعب | عبد العزيز المعنّى
هناك سبب لكون عبد العزيز المعنّى من الناجين المعدودين من نجوم برامج المواهب، الذين صنعوا لأنفسهم مسيرة أطول عمرًا من ترند ظهورهم في تلك البرامج. يبحث عبد العزيز المعنّى عن الموسيقى المختلفة لسماعها ثم لصنعها، يُقر بالشح الموسيقي في مشهد البوب، ولا يعتبر من يُغني على عمل جاهز كتابةً ولحنًا وتوزيعًا فنان؛ إذ يجب على الفنان التورط أكثر في تفاصيل عمله. تبدو تلك التصريحات فضفاضة، لكن أبستوعب مثال على صدق شغف عبد العزيز ومجهوده وطرق تناوله المختلفة لأعماله.
لا واهس ولا حيل | غسان الشامي
أصبح غسان الشامي منشدًا بصدفة، لكنه انتقل إلى البوب عامدًا، إذ لم يُلبّ الإنشاد طموحه التلحيني والأدائي، كما ألزمه المنتجون وقتها بغناء مواضيع معينة وتمجيد شخصيات معينة بغض النظر عن قناعاته وذوقه. في لا واهس ولا حيل مثال عما كان مكبوتًا داخل الشامي، بأدائه الهامس القاص في البداية، ما بين الغناء والحكي، واللحن الأشبه بطبطبة. الناتج قطعة ليلية رقيقة، وإن بدا غير ذلك من الدخلة الباهتة.
بحر غزة | أبو حمزة الحنفاشي ومحمد أحمد الرازحي
وجد هذا الزامل مكانه في إصدار نووي ما بعد الطوفان الخاص من معازف؛ ورغم ارتباطه بحدث مجيد يمكن سماعه لشحذ الهمم في أية مناسبة، خاصةً مع صوت أبو حمزة الحنفاشي الرخيم الذي يبتلع بجاذبيته نجم الزامل الآخر محمد أحمد الرازحي، خاصةً حين ينشد: “بحر غزة فاض / يقضي أمرٍ قاض / تغرف امواجه / من بعمقه خاض.”
حلوة وسمرة | ياسر عبد الوهاب
أغنية متفجّرة اللطافة والطاقة من ياسر عبد الوهاب، الذي يُتم هذا العام عشر سنوات من النجاحات وعشرات الأغاني التي كسرت الأرض. لحن ياسر لأغنيته ذو نفس شعبي محبب ومضيف لاستحقاق الأغنية لعمر طويل، مع توزيع أنيق من ديار مرزة، كثير التفاصيل المتعاقبة دون ازدحام، ومُعزز بإتقان حسن العراقي الناحت للتفاصيل.
لا لا يالخيزرانة | أميمة طالب
التونسية أميمة طالب أثيرة عند الخليجيين، لكن حتى ذلك لا يشفع كثيرًا عندما توضع في مقارنة مع طلال مدّاح. رغم ذلك، استطاعت أميمة طالب خطف الأسماع عندما أدّت جزءًا من لا لا يالخيزرانة، الأغنية الفلكلورية المعروفة بصوت طلال مداح، في ليلة تكريمه مطلع هذا العام. بعد الأصداء الراغبة بالمزيد نزّلت أميمة نسخة كاملة من الأغنية.
إذا تركنا المقارنة بين عود طلال مداح والتوزيع الجديد، حيث تفقد المقارنات جدواها، فقد استطاعت أميمة بأدائها أخذ الأغنية إلى مساحة جديدة أكثر عصرية ودون التضحية بألفة وجمالية الفلكلور.
هلك وين | وليد الشامي
تصوّر جملة هلك وين؟ انبهارًا بفتاةٍ مارّة حدّ الاستعداد لخطبتها بالسؤال عن أهلها. وجدت الجملة طريقها إلى عدة نصوص وألحان شعبية عراقية، على رأسها نسخة إياد الزيبق الذي يحتفي به وليد الشامي هنا بتقديم نسخة مطورة عن أغنيته. يحاكي الشامي أسلوب الزيبق في مزاوجة الإلقاء والغناء، فوق توزيع لافت في جاذبية أصواته وبراعة توفيقها ليكون الناتج محلّي جدًا ومُلهب للرقص.
جمل حسين | عبد الله آل سهل
يحكى أن تسمية اليمن السعيد تعود إلى الإسكندر المقدوني، والذي أطلقها لأنه عجز عن غزو اليمن والاستمتاع بجنانها الوافرة. في هذه الأغنية وهذا الفيديو السعادة التي طمع بها الإسكندر. نُدين بالتلصص على كل هذا الجمال لعبد الله آل سهل ومشروعه لاستعادة مجد الأغنية التهاميّة وسط هيمنة الأغنية الصنعانية. اعتمد عبد الله على نفسه في جل مشروعه، في الغناء والتوزيع والمكس والماستر، ورغم ميوله الهارمونيّة ما زال مخلصًا للصوت الأصل الذي يتجلى هنا في تسيّد صوت الصفريقا التوزيع المهرجانيّ البديع.
هلو ياب | عمار الكوفي
ليس من السهل على موزع جديد لفت الانتباه في مشهد البوب العراقي، المتفوق بموزعيه الذين أحدثوا ثورة بطريقة استثمار الإيقاعات العراقية. وسط هذا الزخم شق عزيز ثامر طريقه بحرفيّة عبر السنوات الثلاث الأخيرة في أغانٍ مثل قلبي وعالمعزوفة. في هلو ياب يتعاون عزيز ثامر مع عمار الكوفي الذي صنع له أكبر ضرباته حتى اليوم، نص العالم، ليحقق له ضربة أحق بالانتشار.
تناساني | همس فكري
الغريب في هذه الأغنية جرأة عبد المنعم العامري في نسبة اللحن لنفسه، رغم صدور العديد من النسخ للحن الفلكلوري نفسه بعنوان يا هلي جاني يماني، بأصوات سعودية ويمنية وفي أوقات مقاربة لوقت إصدار تناساني، آخرها نسخة أبو حنظلة الضاربة. بعيدًا عن ذلك، أعطت همس فكري اللحن نفَسًا خاصًا بصوتها ذو الخامة الفريدة والأداء القدير المصقول عبر ١٥ سنة من الغناء في الأفراح.
ولا مهتم | علي جاسم
للشاعر الغنائي عصام كريم الكثير من فيديوهات الإلقاء مبالغة الدرامية لأغانيه التي تميل بمعظمها إلى الأحزان والشكوى. هذه المرة تعاون عصام كريم مع علي جاسم والموزع سرمد عز الدين، اثنان من صناع البهجة وثوابت أفضل الأغاني العراقية كل عام، ليحولا أحد أندر نصوصه خفّةً وجاذبيّة إلى إحدى أساسيات رقصات الأفراح لأعوامٍ قادمة.
زفة فضيلة القرينية | عـبد الغفور الحساوي
الزفات العمانيّة عالم آخر ومن زعمائه عبد الغفور الحساوي. ننضم إلى آلاف على التيك توك حسدوا فضيلة القرينية على هذه الزفة من كلمات محمد حسين السيم وألحان وغناء الحساوي، سواءٌ للهجة الموسيقية أو للقدر العجيبة للحساوي على إخراج كل طاقات الرقص المكبوتة.
الجمسي | سليم سالم
حار سميعة الأغنية في نسب كلماتها ولحنها، فهناك من قطع بأن اللهجة ديالية من شرق العراق، بينما رجّح آخرون أنها لهجة الغربية في الأنبار غربيّ العراق، ولاحظ آخرون مفردات جنوبية مثل مسودن، أي مجنون. خارج العراق هناك من أكد سورية الكلمات وتحديدًا لهجة غجر دير الزور والرقة، ومن رجّح الخليج وحتى المغرب. بالنسبة للحن المنسوب إلى سليم سالم قيل أنه سوري وقيل أنه لحن صفكة عراقية قديمة، دون دليل حسم. في النهاية نجح قصي عيسى في كتابة كلمات يمكن اعتبارها بدوية بيضاء ذات وقع جاذب لكل أذن عربية، ونجح سليم سالم، نجم عراق آيدول، في غنائها على أفضل لحن حماسي مجنون ممكن.
ذا اللي حصل | بلقيس
إلى جانب أميمة، حققت بلقيس أيضًا أثرًا طيبًا بما أدته من أغنية ذا اللي حصل في ليلة تكريم طلال مداح. بعد إصدار أميمة لا لا يالخيزرانة بأيام نزّلت بلقيس نسختها الكاملة من ذا اللي حصل، والأوفر نصيبًا بالحليات اليمنية التي كانت لتنال تقدير كاتب وملحن الكلمات اليمني الكبير أبوبكر سالم، الذي سبق وغنى مع بلقيس قبل رحيله بثلاث سنوات.
معكازي | رابح صقر
رغم أن سعد بن جدلان ليس شاعرًا غابرًا، بل إن رحيله عن ٦٩ عامًا كان قبل سنوات قليلة، تبدو قصيدته معكازي اليوم فلكلورًا لجزالتها وعمق تأثيرها في الوجدان السعودي. يخاطب بن جدلان في القصيدة فتاةً ذهب لخطبتها مرةً فوقع له حادث كسر قدمه، وبعد تعافيه بحيث يستطيع المشي بمساعدة عكّاز ذهب مرةً أخرى. وقتها حاولت الفتاة التأكد من كونه أعرج قبل القبول أو الرفض فجرحه ذلك، وأنشد القصيدة مبينًا أن طريقه إليها هو سبب إصابته في المقام الأول، ولو كان غير ذلك لاستطاع الثأر. لم يتم الزواج، لكن بقي ذاك الحب “بعد غالي.”
عبر السنوات تنافس المغنون والملحنون على منح القصيدة صيغتها الغنائية التي تُفيد الكلمات بقدر ما تستفيد منها، بين ألحان جديدة وألحان فلكلورية، ما يجعل دخول ميدان المنافسة اليوم خطيرًا وخاصةً على اسم بحجم ياسر بوعلي. بالنتيجة، نسخة معكازي الفائزة حتى اليوم هي نسخة بوعلي ورابح صقر.