في الظهور التلفزيوني الأول لأمجد جمعة قبل حوالي العام مع هشام حداد، في برنامج لهون وبس، يعترف المقدم أنه لا يفهم تمامًا كلمات الأغنية الضاربة التي كسرت الدنيا أنا لما بحب، وأنه يخترع كلمات جديدة حين يغنيها، ثم يتوجه إلى أمجد قائلًا: “سبحان الله إنت إثبات إنه ما بتعرف أي غنية أيَّ كلمات هية اللي بتضرب، ولا أيَّ لحن هو اللي بيضرب […] كلمات صعبة تنحفظ وغنية مكسرة الأرض.” فيجيب أمجد: “التوفيق من عند رب العالمين.”
برأي أمجد جمعة توفيق الله ورضا الوالدين هما المحرك الأساسي لمسيرة يقوم هو فيها بجميع الأدوار بنفسه، فهو المغني والملحن وكاتب الكلمات، ويمكن أن يقوم حتى بتصوير فيديو الأغنية ومونتاجها. يعترف في الوقت نفسه أن صوته مازال ضعيفًا يحتاج للتدريب، وأنه يلحن عالسمع لأنه لا يعزف على أية آلة، وأنه في حالة أغنيته الضاربة الأولى كتب المقطع الأول منها على الطريق إلى الاستوديو، والثاني داخله قبل التسجيل.
في مجمل المقابلات القليلة التي استضافت أمجد وأطلقت عليه تسمية النجم والظاهرة، وحاولت البحث معه عن الأسباب التي جعلت أنا لما بحب تتجاوز المئتين وخمسين مليون مشاهدة على يوتيوب، يظهر المغني الشاب مرتبكًا. هم لا يعلمون، وهو كذلك لا يمتلك الإجابة. يحاول أن يخفي الأمر تحت نبرة حادة تجمع التحدي والدفاع عن النفس، وكأنه هو نفسه لا يصدق الانتشار والجماهيرية التي حققها. “خليهم يجربوا يوصلوا للمية مليون مشاهدة أول، بعدين يجوا ينتقدوني.” يجيب النجم الشاب محددًا الشريحة الوحيدة التي سيسمح لها بانتقاده، أو الإشارة إلى ضعف صوته، أو خروجه المتكرر عن النغمة.
ظهر السوري أمجد جمعة للمرة الأولى قبل عامين بأغنية ضميني، عبر قناة اليوتيوب الخاصة بالاستوديو الذي سُجّلت فيه. لم تصل الأغنية حينها لجمهور كبير، لكنها وصلت إلى مدير الأعمال غابي زغيب الذي قرر تبني أمجد فنيًا، ودعوته للانتقال إلى لبنان والعمل على أغنيته القادمة. تلبيةً للدعوة، قرر أمجد في سن الواحد والعشرين ترك دراسته الجامعية في كلية الإعلام في سوريا وملاحقة حلمه بالنجومية وفي رصيده محاولة غنائية واحدة. في لبنان، اجتمع أمجد في الاستوديو بحيدر زعيتر الذي لا بد من الإشارة إلى أنه هو الآخر أصبح ظاهرة غريبة واستثنائية خلال أقل من عامين.
بين كل حين وآخر، يظهر حيدر زعيتر عبر فيديو جديد خلف أورج وهو يعزف في كل مرة، جملة لحنية واحدة جديدة، يكررها على سلالم مختلفة بإضافة بعض المؤثرات الصوتية هنا وهناك، وبرفقة وجه جديد لا يمكن تصنيفه كمغني، لكن يمكنه الغناء إلى حد ما. مرة تلو الأخرى تحقق إصدارات زعيتر عشرات ملايين المشاهدات على يوتيوب مباشرةً وبسرعة قياسية. فمن أمجد جمعة، إلى أغنية لفلي حشيش مع ربيع العمري، ويما أنا اللي ريدو مع لمى الشريف، وغيرها، جميعها أغنيات تسبب في الاستماع الأول شعورًا بالنفور وعدم الراحة كونها مكتوبة بأسلوب ضعيف غير مترابط، وموزعة بالأسلوب ذاته.
مع ذلك، سرعان ما انتشرت جميع هذه الأغنيات كالنار في الهشيم. الجدير بالذكر هنا أنه لا يمكن تصنيف هذه الأغنيات على أنها إيقاعية راقصة، إذ لا يمكن الرقص عليها لدى تشغيلها في حفل ما، ولا تصنف حتى مع أغنيات البوب السريعة أو التجارية الراقصة التي تشتهر عادة في موسم الأعراس والحفلات الصيفية لجاذبية إيقاعاتها. لكن بعضها يجد شعبية كبيرة على تطبيق تيك توك، حيث يجري استخدامها كموسيقى الخلفية لمقاطع فيديو مضحكة أو راقصة، وهذه المقاطع بدورها تجد طريقها دومًا إلى إنستجرام، مما يجعلنا نألف هذه الأغنيات فجأة.
بالعموم، كان هذا تعاون أمجد جمعة الوحيد مع حيدر زعيتر. من بعده أصدر أمجد أغنية أحلى صبية التي يتطابق لحنها في الجمل الأولى منها تمامًا مع أنا لما بحب، ثم أغنية وتيني. لا يُذكر مع كلا الأغنيتين اسم ملحن، وإنما نقرأ فقط أنها من توزيع ستيف سلامة، وهو دي جاي عرفه يوتيوب من خلال بعض الريمكسات التي قام بها لعدد من أغنيات ناصيف زيتون وحسين الديك. لا تحتاج أغنيات أمجد جمعة إذًا إلى ألحان، يمكن ببساطة تنظيمها وترتيبها كيفما اتفق لتناسب الكلمات التي سيقوم بوضعها، خاصة وأن أغنياته القليلة الصادرة حتى اليوم تشترك في أسلوب الإنتاج والأداء ذاته.
يعتمد أمجد على فصل لحن الأغنية إلى طبقتين: الأولى منخفضة جداً يسرد الكلام فيها وكأنه يهمسه دون غناء فعلي، وبغياب أي لحن آلاتي حقيقي، ثم ينتقل فجأة إلى طبقة مرتفعة محاولًا الغناء بالأسلوب الجبلي الذي يميل إلى تفخيم اللفظ واستعراض القدرات الصوتية للحنجرة على طريقة ملحم زين وفارس كرم ومعين شريف. باطراد، تعلو هنا المؤثرات الإنتاجية التي تُغرق صوت أمجد وتحيط به من جميع الجهات فلا تظهر بوضوح بعد ذلك انزلاقاته المتكررة عن اللحن. يواجه أمجد صعوبة في الحفاظ على أنفاسه حتى انتهاء الجملة التي يغنيها في كلتا الطبقتين.
في الغناء الحي، يلجأ أمجد إلى خدع مختلفة لتخفيف نسبة الأخطاء في أدائه؛ حيث يجري تبطيء إيقاع الأغنية والمباعدة بين جمل المقطع الواحد بما يتيح له التقاط أنفاسه، أو غالبًا ما يضاف الصدى إلى صوته مباشرةً ليغرق ضمن مساحة فضفاضة. مع ذلك، قد نسمع فجأة صوت بحة مزعج يخرج في غير مكانه، أو حشرجة واضحة تعبّر عن مدى عم ارتياحه خلال الأداء. لا يُشكل كل هذا مشكلة فعلية للنجم الشاب، فهو يملك كل الحجج لتبرير أي جهل موسيقي أو أخطاء يرتكبها، إذ يعتبر أن الأخطاء الغنائية الواضحة في أغنيته الأولى ضميني جزءٌ من نجاح الأغنية، وهو استنتاج يبدو أنه قرر تصديقه دون أن نعرف كيف توصل إليه. من ناحية أخرى يصر على إخبارنا أنه قد بدأ، بعد إصداره لأربع أغنيات، يتدرب على الغناء بشكل احترافي.
قبل حوالي الشهر، نزّل أمجد أغنيته الأولى باللهجة المصرية لو فاكر، التي تحمل توقيعه في اللحن والكلمات. يصعب في الواقع الإحاطة بموضوع الأغنية، فهي أقرب إلى جمل متفرقة لا يجمعها أي حكاية أو أسلوب أو تدرج. عدا عن ذلك، لا يحتاج المستمع أن يعرف أمجد ليدرك أن الأغنية لمطرب شامي لم يسبق له الغناء باللهجة المصرية أبدًا، فهو مازال يحاول هنا الغناء بالأسلوب اللبناني الجبلي، ليخرج بنتيجة هجينة غير مريحة للأذن. في هذا الخصوص، يذكر أمجد أنه كان ينوي الحصول على استشارة من مدرب لهجات مصري قبل إصدار الأغنية، لكنه انشغل وقرر أن الأغنية منيحة ولا تحتاج لذلك.
لا يحرج أمجد جمعة اعترافه المتكرر بالاستسهال والعشوائية التي تسير بها تجربته الغنائية. في ظهوره الإعلامي مع رابعة زيات في برنامجها شو القصة يعبّر لها عن سعادته بظهوره معها بعد أن كان من متابعي برامجها لمدة طويلة قبل الشهرة، وبأنه كان يتخيل أن الوصول إلى هذه المرحلة أصعب من ذلك. هذه السهولة في تحقيق الشهرة وأرقام المشاهدات التي يبدو أنها تفاجئ أمجد نفسه قبل أي أحد، تكاد تؤكد أن جزءًا غير هين من مسيرة أمجد سيستمر بمحاولة استنساخ تجربة أغنيته الضاربة الأولى بجميع عناصرها ومكوناتها. خاصةً إن استمر بمصادرة مهمة الملحن والكاتب، دون أن يحاول الاستعانة بصنّاع موسيقى حقيقيين.