شهد أسلوب الثنائي الإنجليزي سبيس أفريكا تغيّرًا ملحوظًا بدايةً من ألبوم سموير ديسنت تو ليف (٢٠١٧)، الذي تميز بضبابية عناصره الراقصة وتأثير أنسجته الصوتية المخدّر. تحوّل صوت الثنائي من الدَب تكنو وإيقاع الفور تو ذَ فلور المستهلك إلى منطقة أكثر تقليلية ونضجًا، هاجرين بذلك الموسيقى الراقصة. خدمت تلك النقلة سبيس أفريكا، حيث استغلوا تأثرهم بالدَب والطابع التكراري لدخول مشهد الموسيقى المحيطة، وفرض نفسهم عليه بعد سنوات من البحث عن صوتهم الخاص.
في ألبوم ?hybtwibt الصادر العام الماضي والإصدار القصير أنتايتلد، دخل سبيس أفريكا مرحلة جديدة أكثر تجريبية في الموسيقى المحيطة. تخلوا عن عنصر التكرار لتبني بنية سائلة متحررة، موظفين كل ما يقع في طريقهم من مصادر مسموعة لنسج مقاطع صوتية متماسكة، مكوّنة من قصاصات صوتية تلمس المستمع وتتواصل معه.
يصل الثنائي إلى قمة هذه المرحلة في أونست لايبر، منطقة بينية للبلاندرفونيكس وفن الصوت ومقطوعات الراديو والموسيقى المحيطة، يتخللها مزيج من أغاني الدريم بوب والراب والتريب هوب. من الصعب الحفاظ على تماسك تلك الوصفة المتشعّبة، لكن ينجح سبيس أفريكا في إيجاد حلقة الوصل بحرفية، من خلال تدفق سلس وسرد صوتي متناغم، أهم ما يميزه تلك الحالة الشعورية الضبابية التي تأسر المستمع بين الحلم واليقظة.
يشترك هذا الألبوم مع إصدارات أخرى تابعة لشركات ازدهرت مؤخرًا، مثل سفِريك وإكسبرينسز إل تي دي ووست مينرَل وموشن ورد وليلرن تايبس، في إعادة تعريفه للموسيقى المحيطة، كي تخرج الأخيرة عن إطار كونها موسيقى خلفية أو تأملية إلى منطقة أكثر ثراءً، من حيث الخامات والأفكار والتسجيلات الميدانية، والبنية والأمزجة المتقلبة؛ بالإضافة إلى الانغماس في جودة العينات الصوتية والسنثات وصعوبة توقع أي مقطع. أعتبر تلك المجموعة وأونست لايبر بمثابة موسيقى محيطة منحرفة / منجرفة، وطفرة جديدة في الجنرا.
من الممكن اعتبار الألبوم استكمالًا لـ ?hybtwibt من حيث عدد تراكاته وصوته العام، بالأخص الكولاجات التي تربط بين المشاهد الصوتية والتسجيلات الميدانية ومقاطع المقابلات، كما في بريبّايرينج ذَ برفكت ريسبونس وإينديجو جريت. يوظف الثنائي مقاطع المقابلات في التراكين الأخيرين بشكل غامض، دون نتيجة، حديث منطقي لكن لا نصل إلى نهايته، وحديث آخر يترك أثرًا من عدم اليقين والقلق ومحاولة قبول الذات. يسلط الثنائي الضوء على مشاعر إنسانية بشكل خفي في تلك الأجزاء.
نتبين شعورًا بالتشتت وتوجسًا من مستقبل مجهول في ميت مي أت ساشاس ولايك أوركيدس ولايدي بيرد درون وويذ يور تاتش؛ حيث تظهر أصوات بشرية من بعيد، تتخللها تسجيلات ميدانية لشوارع مزدحمة وأصوات المطر، في حين تطل السنث بادز من حين إلى آخر لإضفاء بعد درامي يساعد على الاسترخاء في الوقت نفسه. يستحضر سبيس أفريكا روح بريال في أعماله المحيطة، حيث تظهر أشباح الموسيقى الراقصة في <> ولوز يو بو؛ تراكان يبثان القشعريرة من فرط الغموض والطبقات الصوتية المختبئة. يتقن الثنائي إظهار مهارتهم بخفة. لا يعبؤون بغمر المستمع بشكل مباشر، ويتسلل كل شيء خلسة.
في تراكات مثل سترنجث وإل في وإينديجو جريت ورينجز يجد المستمع نفسه تائهًا في حلم غريب، وعلى وشك اليقظة بفضل الغناء الرقيق المحلّق الذي يذكرنا بإليزابيث فرايزر وفرق الدريم البوب. يضبط سبيس أفريكا إيقاع الألبوم بتطعيمه بفواصل قصيرة لا تقل حرفية عن باقي الألبوم من حيث تصميمها الصوتي، الذي تتصدره أصوات التشويش والبايس الممتلئ والسنث بادز والعينات الممطوطة.
لا يسعى الثنائي إلى التعقيد الإنتاجي واستعراض المهارات، في حين يحفل الألبوم بالتفاصيل الدقيقة وبقدر عالي من الجاذبية والبساطة في ذات الوقت. لا شيء في الألبوم يضاهي قوة تراك B£E، حيث يصل الألبوم إلى ذروته بفضل أداء بلاكهاين التعبيري وإيقاع اللو-فاي اللزج وقسم الوتريات الذي يبث قدرًا من الأمل، ويذكرنا بالطابع العاطفي في الأغنية الكلاسيكية أنفينيشد سيمباثي لماسيف أتاك.
لا شك أن أونست لايبر سيصير بدوره كلاسيكيًا مثل ألبوم بلو لاينز لـ ماسيف أتاك وأنترو لـ بريال، إذ يعبر الألبوم بقوة عن الوقت الراهن. أنتجه الثنائي خلال فترة العزل، الحافلة بالشك وعدم الاستقرار والخوف من المجهول. يتسلل أونست لايبر لرصد العديد من المشاعر التي يتشاركها البشر في الوقت الحالي.
سعت العديد من الأعمال الراقصة والتجريبية في التسعينيات والعقد الماضي إلى الإشارة إلى ثيمات ديستوبية من ناحية، ورفاهية التنظير ما بعد الإنساني من ناحية أخرى، إلى أن شطحت إلى موسيقى باردة تستعرض قدراتها الإنتاجية مع خلوها من الروح. لفترة طويلة بات هناك هوس بالمستقبل وهجر للحاضر وكل ما هو متصل بالبشر. يأتي سبيس أفريكا لإرجاعنا إلى أرض الواقع بإنتاج ألبوم في وقت أزمة عالمية، غني بمشاعره الإنسانية وتقلباتها، نابض بالروح، ومن السهل للمستمع أن يجد صلة معه. يلعب سبيس أفريكا على التجربة الجمعية وينجحون في ذلك من خلال عكسهم للواقع بصدق.