“بحب تراب أتلانتا، وعروبتي ديمًا ثابتة / بحب لين مع فانتا، أشربا بفنجان القهوة”
ما ميز الثنائي الحيفاوي أنضف زبالي (عتمي وسلامي) دائمًا هو ليس ما حققاه بالفعل، لكن ما بدا واضحًا أنهما يسعيان لتحقيقه. من الصعب سماع ثلاث أغانٍ متتالية لهم دون تمييز قفزات واضحة إما في الإلقاء أو الإنتاج أو هندسة الصوت، وعمومًا في الأسلوب. أحيانًا أتت هذه القفزات دفعةً واحدة، كأغنية أعلى مستوى الصادرة قبل شهر. فوق إيقاع السنث الواسع الذي اقتبساه من أغنية لوكايشن لـ بلايبوي كارتي، بدأ أنضف زبالي بتسويق أسلوبهما الخاص في إلقاء الممبل راب، الذي قد يكون الأكثر إثارةً للاهتمام في المنطقة. فبينما تجاهل مشهد المغرب الكبير الممبل بشكلٍ عام، ومال الراب المصري لنسخ الممبل الأمريكي بشكلٍ حرفي دون إضفاء الطابع المحلي عليه بعد، ينجح أنضف زبالي منذ المحاولات الأولى بتقديم بوادر ممبل راب عربي، يأخذ القليل من الأصل الأمريكي والكثير من المنطقة.
بعد أسبوعين وبضعة أغانٍ على صدور أعلى مستوى، دفع المنتج ونصف الثنائي، عتمي، نفسه إلى أبعد حدوده الإنتاجية حتى الآن، وتفرغ لصناعة إيقاع متقن لأغنية جديدة للثنائي باسم الساحة. إلى جانب البايس وإيقاعات التراب المعهودة، ألّف عتمي سطرًا إيقاعيًا بسيطًا نسمعه بصوت كيبوردي في واجهة الأغنية، وبصوتٍ زجاجي سنثي أكثر استمرارًا بصوتٍ منخفض في الخلفية، إلى جانب أصوات محيطة عريضة تتغير باستمرار على طول الأغنية. ثم تأتي الآد ليبس على عدة طبقات، هناك الآد ليب المقتبسة من كارتي “واه / واه” التي تتكرر باستمرار، ثم آد ليبس أخرى غزيرة ومنخفضة الصوت لدرجة يصعب سماعها، تظهر في الأطراف البعيدة على يمين ويسار المجال الصوتي للتراك، وتساهم في زيادة النسيج تعقيدًا.
أرسل عتمي هذا الإيقاع إلى الرابر ومهندس الصوت الذي يتابعه الثنائي ويتابعهما، الحجاج (جاي جاي)، والذي قرر أن يسجل مقطعًا لهذا الإيقاع ويرسله للثنائي، لتصبح الساحة أول أغنية تعاونية لـ أنضف زبالي. تبدأ الأغنية بلازمة يغنيها الثنائي بالتوازي، أحدهما بطبقة صوت متوسطة وأسلوب خشن والآخر بطبقة أكثر حدةً وعاطفيةً، فيها تأثر بأسلوب غناء السينابتك. يلفظ الثنائي كل كلمتين أو ثلاثة دفعة واحدة، ويبتران الكثير من الملافظ في الوسط والنهايات، كما تأتي الآد ليبس فوق صوتيهما أحيانًا، لينتج مزيج صوتي صعب الفهم والفكفكة، وله خصوصيته المحلية التي تميزه عن الممبل الأمريكي في ذات الوقت.
تتبع لازمة أنضف زبالي بمقطع الحجاج، الذي يتضح أنه يتابعهما عن قرب، إذ عدّل أسلوب إلقائه وحتى كلماته ليصبح أكثر انسجامًا معهما، وليتماشى (ولو من بعيد) مع أسلوبهما في الممبل وكأن الثلاثة أعضاء فرقة واحدة. في ذات الوقت، حافظ الحجاج على ملامح رئيسية من أسلوبه، كصوته المشبع بالرنين وتدفقه الذي يلقي كل دفعة كلمات في أسطر سريعة. هذا التنوع في أساليب الإلقاء الذي أضافه وجود الحجاج، منح الأغنية ميزة عن أعمال أنضف زبالي السابقة، تجعلنا أكثر حماسًا لتعاوناتهما المقبلة (تعاونا بالفعل مع السينابتك بعد صدور الساحة).
يصبح مشروع أنضف زبالي في تعريب الممبل أكثر وضوحًا مع مقطع سلامي، الذي يفتتح بسطرٍ ذكي يمسك بالمستمع: “العين بالعين، والسن بالسن / وشي ثلاث سنان حطيت جسر”، قبل أن يعبّر بوضوح في الأسطر اللاحقة عن وعيه بمهمة إضفاء طابع محلي (محللة localization) على الإلهامات الأمريكية التي يتناولها، في محاولة لأن يحقق في الممبل ما تحققه مجموعة بلاتنم من رام الله في التراب: “شي ١٦ مراي بصالون أبو راني، بستنى إم راني تقلي مزوق / بحب راب أتلانتا، وعروبتي ديمًا ثابتة / بحب لين مع فانتا، بقدر أشربا بفنجان قهوة / هي كوفية وبندانا، أنا راني سلامة إذا مسمعتش عني.” إضافةً إلى أسلوب سلامي المتداخل في الإلقاء، يقوم عتمي بمزج أسطره إلى جوار أو تحت معظم إيقاعات الأغنية، لتغدو مهمة تمييز وتفكيك الكلمات أكثر صعوبةً بعد. تستدرج هذه الحركة المستمع لأن يركز مع الأغنية بانهماك أكبر في محاولة فكفكة كلماتها، لينتبه خلال ذلك إلى كل التفاصيل والأسطر الإيقاعية وطبقات الآد ليبس التي تجري باستمرار.
الملفت في نهاية الأغنية أنه في ما عدا أسلوب الإلقاء، فإن أنضف زبالي يتجاهلان كل عناصر الممبل راب، كالجودة التسجيلية المنخفضة (رغم أنهما يسجلان في استوديو منزلي) والبايس المشوه، في رفضٍ لفلسفة النسخ واللصق وأخذ التأثرات الغربية كما هي. يحافظ الثنائي على بعض الولاء الواضح في الإنتاج لتراب أتلانتا، كما يحملان على مستوى الإلقاء والكتابة تأثرات بأسماء محلية كالسينابتك والحجاج وبنجون كرو وحتى مجموعة بلاتنم، بينما يتركان مساحة واسعة فارغة لصوتهما الخاص، الذي يتشكل دفعةً تلو الأخرى كلما أتقنا مهاراتٍ جديدة في التسجيل والإنتاج.