بحسب جوجل ترِندز، وصلت كلمة شيلات عام ٢٠١٧ إلى أعلى نسبة بحث خلال تاريخ انتشارها على الإنترنت. إذا بحثت عن أكثر الشيلات استماعًا ذلك العام ستظهر شيلة زلزلة لبدر الشعيفاني، التي بلغ عدد مشاهداتها أكثر من ٧٢ مليونًا على يوتيوب. اكتسحت شيلة زلزلة أنحاء الوطن العربي، وأصبحت أكثر الأغاني استخدامًا على التيك التوك العربي.
يسود الاعتقاد أن الشيلات فن حديث خرج من السعودية، إلا أن تاريخها يعود إلى مئات السنين في مختلف مناطق شبه الجزيرة العربية، عندما كانت تؤدى بعفوية في مجالس الرجال البدوية، وفي الجلسات النسائية، حيث سُميت بـ اللَّعِب. تصاحب الشيلات مناسبات عديدة، مثل التحضير للغزو والمعارك واستقبال الوفود والأعراس، وهي حاضرة في الهجاء والردّ عليه. تبدأ الشيلة بموّال يتبعه الشعر أو القصيدة المغنّاة بصوت الشاعر نفسه أو يؤديها منشد بلهجة عامّية.
اشتهرت الشيلات، أو الشلّات كما في التسمية الإماراتية، بهذا الاسم منذ حوالي ١٥ سنة، وقتما صارت عند مسامع الجميع على التلفاز وأتيحت على اليوتيوب. بدايةً، رفض بعض المنشدين البدو تأدية شيلاتهم على التلفاز، ﻷنهم وبحسب الدكتورة سوسن العتيبي احتقروا الاسترزاق من العمل الفنّي، إذ أنهم كانوا يحضرون حفلات أقاربهم وينشدون فيها بلا مقابل تأديةً للواجب العشائري. ينطبق هذا الكلام على أشهر مُنشِدي الشيلات في العقد السابق: مهنّا العتيبي وناصر السيحاني.
كانت الشيلات قد منعت من التلفزيون السعودي، لأن ما تحتويه من مدح وذم لعشائر تذكي النعرات القبلية وتسبب خلافات حقيقية قد تستعرّ. عام ٢٠٠٦ ظهرت قنوات مخصصة للشِعر مثل الساحة والبوادي اللتان ساهمتا في تقبّل تأدية الشيلات، الأمر الذي جعل منع الشيلات عن قناة السعودية الأولى بلا قيمة. تعزّز حضور الشيلات في المسابقات الشعرية التلفزيونية مثل شاعر المليون، ما خلق شكلًا أدائيًا جذب جمهورًا واسعًا، ومهّد للشيلات طريقًا تطورت فيه من أشعار مفاخرة قبلية إلى فن أشمل يميّز المنشدين البدو.
ظهرت أولى التغييرات في شكل الشيلات الموسيقي منذ قرابة عشر سنوات، بعد أن كانت معتمدة على صوت الشيّال فقط. بدأ المنشدون باستخدام آلات شعبية كالعود والناي، ثم أدخلوا نغمات الكيبورد والأوتوتيون كعنصر أساسي في كل الشيلات بصورتها الجديدة، وتوسّع بعضهم باستخدام الكمان في المواويل التي تسبق بدء الشيلة. كشفت إضافة الموسيقى على الشيلات عن إمكانيات أدائية سمحت بتوسيع رقعة محبّيها لتضم فئات شبابية صاروا ينتجونها.
اقترنت الشيلات منذ ۲۰۰۸ بالمزاين، مسابقات استعراض الإبل التي تشترك فيها كثير من القبائل ثم تُعرَض للتحكيم ليفوز فيها إبل قبيلة واحدة. ترافق الشيلات المزاين متغنّية بالقبيلة وحاملةً أشعار الفخر والتمجيد، كما عادة قبائل نجد والحجاز في مزاين الهيلا. ساعد بث عروض المزاين على التلفاز في انتشار الشيلات التي تمدح القبائل بشكل خاص، وأصبحت تجذب أفراد القبيلة على اختلاف أعمارهم، كما حضرها الكثير من رجال الأعمال وحازت على تغطية إعلامية واسعة، ولم تعد نشاطًا يحضره فقط كبار السن وأرباب الإبل. قد يكون السبب بحسب الدكتورة سوسن العتيبي أن هذه المزاين ساهمت في تعزيز الإحساس بالهوية التي تحمي إطار القبيلة، فكان هذا مبررًا لاستمرار الشيلات التي تمدح القبائل دون أن تشذّ كثيرًا عن صورتها الجديدة. تسببت المزاين نتيجةً لذلك في تعزيز الخلافات القبلية فمُنعت إقامتها حتى سُمح بها مجددًا منذ حوالي ثلاث سنوات لِتُقام بجانب المهرجانات الشعبية مثل مهرجان الجنادرية الوطني للتراث والثقافة، الذي يقام في العاصمة الرياض منذ عام ۱۹۸٥..
وصل صدى الشيلات إلى بلاد الشام من بعد شيلة زلزلة، وكان عبد الله السعايدة من أوائل الفلسطينيين الذين يؤدون الشيلات. تشابهت مواضيع شيلاته مع ثيمتها الأساسية: الفخر واستعراض القوة. أمّا في الأردن، بقيت الشيلات محصورة بجمهور أغلبه من أبناء العشائر الذين استخدموا الشيلات خلال الانتخابات النيابية الأخيرة للترويج للمرشحين، ومدح الجهاز الأمني والدرك والملك؛ وﻷن الشيلات في الأساس فن قبائلي، فقد أصدرت بعض العشائر شيلات فخر واستعراض وكأنها أغنية ثيمية لهذه العشيرة، مثل شيلة الخضير/ بني صخر.
بجانب المزاين، ترتبط الشيلات بالعرضة على اختلاف أدائها من منطقة لأخرى في الخليج العربي. ﻷداء العَرَضة يقف صفّان من الرجال قبالة بعضهما، ويبدأ الشيّال بإلقاء الشعر حسب المناسبة (حل نزاعات، سباقات هجن، تراحيب، أعراس) يتخللها مدح للقبيلة التي يؤدي أفرادها العرضة. تجمع العرضات ثيمة واحدة تنقص بعض عناصرها أو تتغير بحسب المنطقة الجغرافية يختلف نوع الطبل المستخدم للإيقاع باختلاف المنطقة: في الكويت والسعودية يُستخدم الطبل النصيفي، أما في البحرين وقطر يُستخدم الطيران والطوس.، إلا أن أهم ما يميّز جميعها هو استعراض الرجال بالسيوف، وحمل “البيرق” أي العلم، الذي يغطي ظهور الرجال على امتداد الصف. تُسمّى العرضة في عُمان الرَزْحة أو الرَزْفة، وفي الإمارات العيالة أو الرزيف. في السعودية لها نوعان، عرضة نجدية تقليدية، وأخرى جنوبية يميّزها سرعة أدائها.
مؤخرًا، ظهرت تسجيلات لعرضات نسائية على يوتيوب لاقت نجاحًا بالرغم من ندرتها. لطالما حضرت النساء في مناطق شمال السعودية بجانب الرجال، لإلقاء الشعر أو الرقص بالسيوف مع أشعار مرافقة؛ مع ذلك، ليس هناك دور يُذكر للنساء في عرضات أو شيلات اليوم، لأسباب عدة منها تأثُّر العقلية القبلية بالتعاليم الوهابيّة، وانسحاب النساء إلى حيّز خاص بهنّ. عندما أصدرت الفنانة السعودية روان الشِهري عام ۲۰۱۷ شيلة سليل المجد، تتغنى فيها بمحمد بن سلمان، أثارت سخط الكثيرين ﻷن غناء النساء على العلن يُعتبر إهانة للقبيلة. أفصحت روان في لقاء تلفزيوني أنها اقتبست لحن شيلتها من شيلات ماجد الرسلاني الذي كان حاضرًا في اللقاء ذاته. عدا عن روان الشهري، لا يوجد شيلات مشهورة لشاعرات بدويات ولا تأديات لها بأصوات نسائية إلا ما ندر، ومنها شيلة لندنك صارت تبكيني التي غنّتها اللبنانية ديانا حداد، من كلمات الشاعر الكويتي محمد النمران.
يرى بعض الفنانين أن الشيلات فن قَبَلي سيندثر قريبًا، مستدلّين أن الحاجة إلى قصائد تمدح القبائل لن تعيش طويلًا – وكأن الموسيقى تعيش وتموت بمواضيعها، وأن محبّي الشيلات أغلبهم من الشباب الصيّع، وكأنها حجة مقبولة لإقصاء فن أيًا كان. في المقابل، لا تزال الشيلات تنتشر، وأصبحت تُسمَع في كل المناسبات والترِندات. الأهم من ذلك، أن الشيلات انتشرت بشكل كبير على تيك توك، المنصة التي قد تكون الأكثر تأثيرًا اليوم في انتشار الموسيقى، والتي قد تمثل إلى حد ما الماين ستريم الجديد. مع كل هذا، يمكن توقع كل شيء للشيلات إلا اندثارها، فهي دخلت حيز الثقافة العامة، حيث سيتأثر ممارسوها اليوم بموسيقات جديدة، وسيتأثر صانعو موسيقات أخرى بها، لتتحول إلى شكل ما لا يمكن الآن تصوّره.