ولدت حبيبة مسيكة على اﻷرجح عام ١٨٩٣ في تستور، وبعد أسبوع من عيد حُب فبراير ١٩٣٠ ماتت حرقًا على يد حبيب مهووس لم ينل منها سوى الصدود والهجر. مطربة جامحة مثل رقصة النار تطارد النغم فتملك لجامه ويملكها. التونسية نغمًا وصوتًا حين تغني ناعورة الطبوع، المصرية طربًا وروحًا حين تنشد مالي فتنت. سجّلت أكثر من ٣٠ أسطوانة ما بين عامي ١٩٢٦ و١٩٢٨ (حسب أرشيف مركز النجمة الزهراء في تونس) في قوالب متنوعة ما بين الطقطوقة الخفيفة مثل يا واش يا واش يا مرجيحة والدور مثل أنا عشقت وضيعت مستقبل حياتي، مرورًا بالدويتو مع أشير مزراحي والقصيدة الرصينة مثل لي لذة في ذلتي وخضوعي، المؤداة على تخت بصحبة بيانو وأرمونيوم معدل يمكن اعتباره جد الأكورديون الشرقي الحالي. سجلت حبيبة مسيكة لبيضافون الوطنية في المشرق وباتيه الفرنسية في المغرب. نُسيت حبيبة في غفلة من الزمن بعد حرقها وقبعت أسطواناتها في أرشيف ما، حتى اشتهر لها ما يخدش الحياء: على سرير النوم دلعني، فأعاد جمهور الإنترنت خارج تونس اكتشافها.
تعد هذه الأسطوانة أول تسجيل نعرفه للنشيد الوطني اللبناني، المُقرّ في يوليو ١٩٢٧، سُجلت في حملة لشركة بيضافون في برلين عام ١٩٢٨ على أسطوانة قطرها ٢٥ سم. في تلك الحملة سجلت مسيكة اللحن الوطني اللبناني ومارش جلالة الملك فؤاد اﻷول المصري، واكتشفت آفاقًا أخرى لصوتها مع مطرب المقام العراقي محمد القبانجي. قد يبدو غريبًا اليوم أن يسجل النشيد الوطني اللبناني للمرة اﻷولى بصوت مطربة تونسية، بينما لم يكن ذلك وقتها غريبًا حين لم تكن الحدود سوى اختراع حديث.
يثور الجدل حول أصل ذلك النشيد، أهو لبناني خالص متنازع تلحينه ما بين اﻷخوين فليفل ووديع صبرا، أم أنه نشيد جمهورية الريف. يبدو هذا الجدل ذو قيمة ومعنى في عالم يجعل الألحان سلعة تُملك وتباع وتشترى، لا في عالم العشرينيات حيث كانت اﻷلحان مثل اﻷفكار مشاعًا إبداعيًا تُلحن في لبنان وتسجل في برلين وتغنى بصوت تونسي.