قبل ثلاث سنوات، تناولت في معازف إصدار بريال القصير كلُسترو / ستايت فورِست، والذي يلخص مسيرته الطويلة التي شابها التكرار والتخبّط. على مدار سنوات ظل بريال يعيد استهلاك أسلوبه الراقص الذي اعتمد على صوت تو ستب جراج، معززًا ولاءً فريدًا من جمهوره المقرّب، وحاصدًا احتفاءً نقديًا مع كل إصدار. استغرق الأمر خمسة عشر عامًا حتى يستطيع بريال إصدار ألبوم قوي ومتماسك يضاهي قوة إصداره الكلاسيكي أنترو، هو أنتي دون.
أيقن بريال أنه بحاجة إلى الخروج من أسلوبه الراقص، متوجهًا إلى تطوير جودة صوت تراكاته في الفترة الأخيرة مثل دولفينز وستايت فورست وبيتش فايرز. خمسة تراكات طويلة من الموسيقى المحيطة تغمر المستمع بتجربة سمعية ميلانكولية وتحتضنه برقّة في مواضع أخرى.
يمكن لمتابعي بريال التعرّف على صوته في الألبوم عند أول عينة طقطقة فاينل ممزوجة مع صوت الأمطار والتشويش. تلك العينات التي أسست لإصدارات محيطة ضاربة لمنتجين آخرين متأثرين بـ بريال. يفيض الألبوم بكم ضخم من التسجيلات الميدانية يسخّرها بريال لنحت كولاجه الصوتي متحررًا من أية بنية معتادة. تنصهر التراكات الخمسة في بعضها البعض بسلاسة مكوّنةً جسمًا صلبًا، إذ يمكن اعتبارها تراكًا واحدًا من خمسة وأربعين دقيقة.
تتوه الأذن وسط عالم منسجم من العينات المذكورة وأصوات المفاتيح والقدّاحات والكلام الهامس والسنثات الممطوطة، بالإضافة إلى طيف واسع من الأصوات التي يصعب حصرها. تحضر عينات الفوكالز بقوة، حيث ينجح بريال دائمًا في اختيار الهوكّات المثلى التي تعلق في الأذن. تبتعد هذه العينات تمامًا عن سياقها الأصلي لتأتي غامضة كحلم، بلا نتيجة، لكنها تؤكّد على تلك الحالة الشعورية الحزينة الغالبة على الألبوم. يتملك بريال المستمع في البرزخ بين النوم واليقظة، ليجعله يختبر شلل النوم مجازًا.
يلفت الأورغن بطابعه الجنائزي الانتباه في سترينج نيبرهود، إضافةً إلى العينات الغنائية المشبعة بريفرب طويل المدى. يرسم بريال مساحاته الصوتية بدقة، فهناك أصوات تأتي من بعيد لتتأرجح يمينًا ويسارًا، وأخرى تهمس في الأذن وغيرها تحلّق كهالة لتغلّف هذا المزيج الضخم من الأنسجة الصوتية. ما يميّز الألبوم هو ديناميكيته الغنية؛ إذ تتسلل جميع الخامات خلسة وتتشكل ببطء ولزوجة، ليأتي حدث مفاجئ يعيد بناء الكولاج من جديد، يعقبه فترات شبه صامتة، فيتوقف الزمن. تتعدد مقاطع تراك أنتي دون لتشمل أمزجة متغيّرة مشحونة عاطفيًا في أجزاء ومثيرة للقلق في أخرى ليخيّم الهدوء في التوقيت الأمثل.
يأتي شادو بارادايس أكثر إشراقًا ليكسر حالة الغموض والحزن. يبث الأورغن والعينة الغنائية المصحوبة بالكورال نوعًا من الأمل. أما نيو لاف فيطغى عليه شبح الموسيقى الراقصة كما لو كان يطارد بريال، إذ نتبين الكيك تنبض بمستوى خافت وعينة لو-فاي لإيقاع غراج يضفي انطباعًا بصدور الصوت من نادي ليلي مهجور. يمكن الاستماع لهذا التراك كموسيقى تصويرية ذات بعد درامي، محتفظًا بقليل من الأمل المتبقي من شادو بارادايس. تصل سردية بريال الصوتية التي تربط بين الموسيقى المحيطة والفن الصوتي إلى قمتها في التراك الأخير، أبستيرز فلات، وهو التراك الأكثر استرخاءً في الألبوم.
طال انتظار أنتي دون، لكن الأهم أن بريال فعلها أخيرًا، خلق عالمًا صوتيًا غريبًا مليئًا بالتفاصيل الدقيقة التي ينغمس محبيه في داخلها، إضافةً إلى إنتاج وديناميكية متقنين. أنتي دون تجربة ممتعة، صدر في التوقيت المناسب، ففي شتاء بارد ويوم قصير وفترة إغلاق مبكر بسبب موجة كوفيد جديدة سيجد المستمع بريال خير ونيس له في عزلته.