يقول ٣فاز: “لقد سمعت المهرجانات بدايةً في الشوارع، مثل معظمنا.” يلتزم المنتج المصري بإخفاء هويته، وغالبًا ما يظهر في الصور وهو يرتدي سترة وقبعة تغطي وجهه. يقول في مقابلة هاتفية مع بيلبورد عن علاقته بموسيقى المهرجانات: “أحببتُ التكرار الشديد. أحببتُ أنه كان صوتًا مصنوعًا بتقشّف وبمعدّات بسيطة، مشوهًا جدًا. لم يهتموا حقًا بالمزج والإتقان، أرادوا فقط جعل [الموسيقى] عالية وصاخبة قدر الإمكان.”
في ألبومه الأوّل، هضم ٣فاز المهرجانات وأشكالًا أخرى من موسيقى الشعبي المصرية، تحديدًا خامات آلاتها الموسيقيّة، التي تظهر مدفوعةً بإيقاعات خاطفة وطبولٍ محمومة، إلى جانب كيبوردات ذات صوت لاسع، مصمّمةٍ لتبدو وكأنها مزمار إلكتروني. قام بعد ذلك بتصفية تلك الأصوات، مستفيدًا من شغفه بالمؤثرات وتصميم الصوت التجريبي. بنى ٣فاز الألبوم باستخدام أدوات ومواد سجلها في الاستوديو مع أندرو الحاوي وطارق الشبح، عازفي الكيبورد والطبول (على الترتيب) اللذان منحا الألبوم البصمة الواضحة لصوت القاهرة.
قد لا يجد المستمع في البداية علاقةً واضحة بين أسماء المقطوعات ومحتواها، ربما باستثناء التراك الأخير، فوضى، لكن مع تكرار سماع التراك الأول، دوائر، مرةً بعد أخرى، تتكشّف الأمور ببطء. يظهر التوزيع المتمكن والأنيق، وتنبعث مع المقطوعة روح الشارع المصري، مع انسياب الصوت البشري الملحوظ بالكاد لشدة التحامه بالموسيقى. تأتي الأغنية الثانية سايرِن أكثر تهورًا، فيها تحدٍّ ما مجهول، وتمادٍ في الإيقاعات بخلاف ما قبلها. تدخل الأغنية الثالثة دريلّ بصوت يشبه الطبول ورقصة النار من حولها، حيث تبدو لوحات المفاتيح هنا مترددةً في البداية، لتزداد سيطرتها على التراك تدريجًا.
يسود التراكات طابعٌ هادئ، غامض ومتوتر. أحيانًا تتبدّى الموسيقى كتساؤلات، كنسخة تجريدية من المهرجانات؛ كما تتخلل المقطوعات بعض الوقفات وكأنّ المنتج يفسح مجالًا للموسيقى كي تتنفس. يمكننا إذًا القول إنّ ٣فاز من محبّي الغموض، وربّما التشويه (distortion). نلمس ذلك في اختلاطات الإيقاعات وتوترها، محاولًا أن يحاكي بها المهرجانات والشعبي المصري. قد يؤخذ عليه التشابه والتكرار في بعض مقطوعاته، والرتابة أحيانًا، كما تصادفنا هناك وهناك تحويرات إيقاعية غير منفّذة بسلاسة، تشكّل حوافًّا حادّة في المقطوعات. مع ذلك يمكننا تلمّس تماسك داخلي يمتاز بالرقة، بخلاف صخب وخشونة المهرجانات، وتكشف الاستماعات المتكررة عن طبقات جديدة باستمرار.
يقول ٣فاز في المقابلة المذكورة: “أعتقد أن هناك الكثير من أوجه التشابه بين المهرجانات وموسيقى الرقص الأخرى، ربما ليس تشابهًا صوتيًا، لكن على مستوى أعمق، من حيث نوع الطاقة التي تخرج منها،” ويضيف: “أعتقد أن كلمة صعب هي العنصر المشترك هنا.” يدمج ٣فاز في المقطوعة الأخيرة، فوضى، كل ما سبق من مقطوعاته، في محاولة للسيطرة عليها، لكنه يعرف جيدًا أنها محاولة لن تنجح، وأنّ المهرجانات ستبقى من غير إطار يقيدها – فوضى.
أنتجت هذه المادة ضمن فترة الدراسة في الأكاديمية البديلة للصحافة العربية.
الأكاديمية هي برنامج زمالة مكثف مدته عام، يشجع على الإبداع والتفكير النقدي في الصحافة تشرف عليه مجموعة فبراير – شبكة المؤسسات الإعلامية العربية المستقلة.