جاتا | مولوتوف

بدأ جمهور الراب المصري والمهرجانات بمتابعة مكستايب مولوتوف الجديد، جاتا، قبل شهرين. صدر المكستايب بالتقسيط كل أسبوع وآخر، تأخّر عن جدوله الزمني الأصلي تضامنًا مع حراك فلسطين الأخير، قبل أن يكتمل بصدور آخر أغانيه من ثلاثة أسابيع. يضم المكستايب ستة تعاونات يعبّر كل منها عن واحد من ستّة أحياء قاهريّة، هي الهرم والزاوية الحمرا ومدينة نصر وحدايق القبة وحدايق حلوان ومدينة السلام.

جهّزتني طريقة صدور الألبوم لسماعه بطريقة معينة. تجنّب مولوتوف الكشف عن التعاونات بطريقة تسويقية، فأصدر أغنية صاحبي معايا بهدوء وكأنّها لم تجمع علاء فيفتي وسادات العالمي – اثنين من أكبر أسماء المهرجانات، لم يجتمعا في عملٍ رسمي (على الأرجح) منذ انحلال فرقتهم ملوك السعادة. تشمل قائمة التعاونات أيضًا أسماءً مغمورة مثل المغني حافي المشارك في أغنية فالهالا. اتضح لي منذ البداية أن مولوتوف يبحث عن الأسماء الأنسب لتقديم صوت كل حي، بغض النظر عن وزن هذه الأسماء أو دورها في إشهار الألبوم.

عمل مولوتوف من قبل مع عدّة من ضيوف الألبوم. جمعته عدّة تعاونات مع علاء فيفتي مثلًا، من بينها أغنية دولتنا مدينة السلام التي تكاد تقتصر كلماتها على عبارة: “لو مدخلش السلام متعلمش الكلام.” يتجنّب جاتا هذه الطريقة المباشرة والمألوفة في ربط المهرجانات بأحياء معينة، فلا نسمع أغاني تتبجح بأحيائها عبر ذكرها بالاسم باستثناء آد ليبس مبعثرة هنا وهناك. بذل كل من مولوتوف وضيوفه جهدًا إضافيًا لتقديم صوت الأحياء الستّة. هناك ميل للأولدسكول والأصوات الخشنة في أغاني الأحياء التي رافقت بداية المهرجانات، بينما تميل أغاني الأحياء التي دخلت على المهرجانات لاحقًا نحو التراب والموسيقى الإلكترونيّة المصقولة.

كي تنجح هذه العقليّة أعطى مولوتوف لضيوفه مساحتهم، وجاءت الأغاني كتطور في مسيرة وأسلوب المغنين بقدر ما كانت تطورًا في مسيرة مولوتوف. أولى أغاني المكستايب مثلًا، بانادور إكسترا، هي إعادة تخيّل لأغنية بانادول لـ علي ويزي. يحافظ ويزي على بعض البارات من أغنيته الأصل مثل “بانادول ويزي ديلر بانادول، بانادول مليش دعوة انا بدول”، فيما يضيف مولوتوف ملامحًا من أسلوبه كاستخدام سنثات داكنة في الإيقاع. يبرز دور مولوتوف في خلق سياق يجمع أغاني الألبوم ككل، وكأنّها تتميّز بانتمائها لأحياء مختلفة وتتشابه بكونها تحت مظلّة واحدة، هي القاهرة أحيانًا وإيقاع المقسوم أحيانًا أخرى – أو كما قال مولوتوف على إنستجرام: “مدينة واحدة، ست مناطق.”

كلّما طال تاريخ التعاونات بين مولوتوف وأحد ضيوفه، كلما كانت نتيجة التعاون مشبعة. عمل مولوتوف وشبرا الجنرال في عدّة مناسبات سابقًا، وغيّر كلاهما من أسلوبه هنا ليلتقيان في منتصف الطريق في مهرجان فوضى. هناك صدق وعفوية جميلين في محاولة الثنائي لرصد صوت الزاوية الحمراء عبر مهرجان أولدسكوول بصوت النبطشي والآد ليبس القديمة المألوفة، بشكلٍ يختلف عن تعاوناتهما في أغانٍ مثل أسفلت على الحديد أو إن بوكس.

تعتبر ثيمات الصحاب وغدرهم من أقدم الكليشيهات وأكثرها التصاقًا بالمهرجانات، إلّا أنّها تكتسب خصوصيّة في مهرجان صاحبي معايا الذي يقدّم أشهر شراكة وخصومة في تاريخ الجنرا. ارتبط تشكّل المهرجانات بمجموعة ملوك السعادة التي جمعت فيفتي وسادات وعمرو حاحا، وانحلّت منذ خمس سنوات لتنتج عنها ثلاث مسيرات فرديّة متباينة قادت المهرجانات وموجة التقريب مع التراب. هناك فارق بين عتب وغدر الصحاب وبين عتب فيفتي وسادات، وكاتب المهرجان حازم إكس عرف كيف يستثمر خصوصيّات هذه الخصومة تحديدًا.

باستثناء فوضى وصاحبي معايا اللتان يمكن اعتبارهما مهرجانين واضحين، يهيمن التراب على المكستايب. تعرّفت على أسماء جديدة أو أقل شهرةً مثل علي سي جيه من مدينة نصر وحافي من حدايق حلوان (مسقط رأس مولوتوف)، وبينما لم يمتلك هؤلاء مسيرات معتبرة تضعهم على نفس الصف مع زملائهم المخضرمين، عثروا في المكستايب على فرصة لكتابة الفصول الأولى من مسيرتهم، معتمدين على براعتهم في الكتابة وبناء الثيمات. ترتكز أغنية حافي إلى ثيمات أسطوريّة تتضمن ملائكة وشياطين وعمالقة وتنانين يتصارعون على إيقاع دريل تقليلي سلس. في المقابل، يتبحّر علي سي جيه في سلسلة ألعاب جي تي آي، المعروفة بـ جاتا في الشارع المصري، ويركّز على ثيمة حريّة التجوال والهرب من عوالم مفتوحة حقيقيّة إلى عوالم مفتوحة افتراضيّة: “ملقيتش في حرية غير فجاتا”، تلحقه عيّنات مولوتوف لأصوات أسلحة وصافرات شرطة.

تشرد أغنية سبيس عن تياري التراب والمهرجانات، خاصةً لاستضافتها رابر أولدسكول غير مهتم لا بالمهرجانات ولا بالتراب، يوسف جوكر. تعاون جوكر ومولوتوف قبل بضعة أشهر على أغنية الدب الشمالي، ونلاحظ هنا تطور ديناميكيّة التعاون بينهما حيث لم يعد أحدهما يطغى على الآخر. رمى مولوتوف بيتات تراب بعيدة عن عالم جوكر، التقطها الرابر وألقى عليها بتدفق قريب من المهرجانات، ليقطع مسافة أبعد وأبعد عن منطقة راحته.

يلعب المكستايب على المفارقة بين الواقع وتلقينا له. قد تكون القاهرة هي هي، لكنها تبدو كمجموعة من الطبقات والمدن المتراكمة عندما نستكشفها من منظور مغنّي جاتا وأحيائهم. يشبه الأمر بعض الشيء استكشاف لوس آنجلس عبر منظور الشخصيات الرئيسية الثلاثة في جي تي آي ٥، حيث يصبح العالم المفتوح للتجوال مفتوحًا للتأويل أيضًا. يأخذ مولوتوف في جاتا خطوة إلى الأمام، ويصطحب معه مجموعة منتقاة بعناية من مشهدي التراب والمهرجانات، ليرينا إلى أين وصل هذين المشهدين في تشكيل صوت مدينتهم وتقديمه إلى العالم.