الثورة على الموروث
لعبت الحربان العالميّتان الأولى والثانية دورًا كبيرًا في تحوّل الجماليّات والفن بشكل عام، والذي امتد ليطال الموسيقى. إذ مرّت الموسيقى الكلاسيكيّة بتحوّلات سريعة من بعد العصر الرومانسي وتلته الحقبة الانطباعيّة التي تزّعمها كلود ديبوسي. ومع بداية القرن العشرين، اعتمد الموسيقيّون على الدمج بين التجارب الذاتيّة والفلكلور، مثل عدد من أعمال إيغور سترافينسكي، وموريس رافيل، وبيلا بارتوك، وليوش ياناتشيك.
تمكن ملاحظة التغيّرات في موسيقاهم بالتمهيد للخروج عن القالب الموسيقي الكلاسيكي المتمثّل في السلّمين: الكبير والصغير Major and Minor Scales، حيث يطغى على كثير من أعمالهم النشاز Dissonance بفضل السلالم السداسيّة والسلم الكروماتيكي في بعض الأجزاء Chromatic Scale، متخلّين عن الموسيقى ذات الألحان والتجانس الهارموني Tonal Music.
من أعمال بيلا بارتوك Wooden Prince
تزعّم الموسيقي الألماني أرنولد شونبيرغ الموسيقى التعبيريّة بعد الحرب العالميّة الأولى. واعتمدت موسيقاه على التسلسل الموسيقي Serialism الذي يتمثّل في توظيفه للسلم الكروماتيكي وعزف أنماط وأشكال نغمات موسيقيّة مسلسلة على آلة موسيقيّة لينشئ قواعد موسيقيّة جديدة ذات بعد أكثر جديّة، ضاربًا الذوق العام لما قبل الحرب بعرض الحائط، مثل سائر الفنانين والمدارس الفنيّة التي ظهرت بعد الحرب كنوع من التمرد على الموروث البرجوازي والشوفيني الذي أدّى إلى حرب عالميّة.
شونبيرغ والتسلسل الموسيقي
تعد موسيقى شونبيرغ وتلاميذه مثيرةً للجدل، ولكن ليس أكثر جدلًا من موسيقى ما بعد الحرب العالميّة الثانية. فحتى وإن أثارت الأولى الكثير من الجدل لكنّها عُزفت بالآلات الموسيقيّة المتعارف عليها في الموسيقى الكلاسيكيّة، بينما على العكس من ذلك في الموسيقى الواقعيّة Concrete Music التي ظهرت بعد الحرب العالميّة الثانية. لم يأت هذا النوع من الموسيقى كرد فعل على العصر السابق، بل كنوع من الثورة على الموروث الموسيقي بأكمله، المتمثّل في وجود لحن وتجانس وإيقاع وموازين وحيوية. كما ثارت الموسيقى الواقعيّة على الآلة نفسها، بالإضافة إلى الجمهور النخبوي والأماكن التي تعرض فيها الموسيقى والأدوات المستخدمة لنشرها. ويَعتبر ألكس روس، الناقد الموسيقي ومؤلف كتاب The Rest Is Noise، موسيقى تلك الحقبة بداية لموسيقى ما بعد الحداثة.
لعبت التكنولوجيا في هذه الفترة وظهور الشرائط الممغنطة في ألمانيا وانتشارها في أميركا وإيطاليا وفرنسا دورًا كبيرًا في ظهور مدرسة جديدة. فاعتمدت هذه المدرسة على التجريب وطبيعة الصوت وجرس النغمة والعذوبة Texture and Timbre ليغلب عليها الطابع الفني، مستعينة بالشرائط التي يقوم المؤلف بمطّها وتسريعها وتبطيئها والتحكّم في طبيعة الصوت والطبقات (Pitch) والموسيقى المسجّلة عليه. كان بيار شيفر أول من أطلق مصطلح Concrete Music على هذا النوع، وأنشأ استوديو للتجريب Studio d’essaie عام ١٩٤٨ ليجري تجاربه الصوتيّة الجريئة على الشرائط والأصوات قبل وبعد تسجيلها ومعالجتها وإعدادها لتفكيك مفهوم الموسيقى. ودعا الكثير من المؤلفين الموسيقيين مثل إدغار فاريز، بيار بوليز، أوليفيه ميسيان، يانيس زيناكيس ليبدأ أول عصر للموسيقى الإلكترونيّة.
من أشهر أعمال بيار شيفر
من أعمال شتوكهاوزن
قبل ذلك الحدث الفريد بأربع سنوات، تسلّل حليم الضبع إلى إحدى جلسات الزار وقام بتسجيل غناء وطقس الجلسة على شريط عن طريق جهاز تسجيل بدائي كان قد استعاره من وكالة أنباء الشرق الأوسط. قام حليم بالعمل في استوديو لوكالة الأنباء على ما سجّله، حيث عزل النغمات الأساسيّة والمنخفضة من التسجيل الأصلي وترك النغمات العالية ثم عرّضها إلى جدران متحركة للحصول على تردد وصدى صوت (Echo and Reverb). ثم أعاد تسجيل الصوت الناتج من هذه التجربة، وكانت محصلة هذا العمل مقطوعة إلكترونيّة تجريبيّة مدتها خمس وعشرون دقيقة. تعد هذه المقطوعة، التي سميت “تعابير الزّار“، أوّل مقطوعة الكترونيّة وأوّل محاولة للتحكم في الصوت والاهتمام بتفكيكه. تقوم تجربة حليم على رؤية وصياغة الصوت بطريقة مختلفة بعيدًا عن كل الطرق التقليديّة لإنتاج صوت أو نغمات عن طريق آلة موسيقيّة، أو كما قال: “محاولة للوصول للصوت الداخلي للمقطوعة المسجّلة“. وهكذا يسبق حليم الضبع عصره باتّباعه نفس أسلوب رواد الموسيقى الواقعيّة.
جزء من مقطوعة تعابير الزار
الزّار يدشّن الموسيقى الإلكترونيّة
ولد حليم الضبع في منطقة السكاكيني بالقاهرة عام ١٩٢١. أتاح له عمله، كمهندس زراعي، السفر في أنحاء الصعيد والتعرّف على الموسيقى الفلكلوريّة والتراثيّة لأهالي القرى التي يزورها، ما جذب اهتمامه إلى الجزء الثقافي والفلكلوري من الموسيقى، وهو لم يزل مستمر معه حتى الآن في أعماله الموسيقيّة. تمكن ملاحظة تأثر حليم بالموسيقى التعبيريّة وطريقة التسلسل الموسيقى في كثير من أعماله التي يغلب عليها السلالم السداسيّة في بعض الأجزاء، والممزوجة بالطابع الشرقي الذي يظهر في اعتماده على المقسوم والمقامات الشرقيّة. تأثّر حليم بموسيقى شونبيرغ وبيلا بارتوك وبول هيندسميث وآخرين كان قد رآهم وتعرف على موسيقاهم عندما أتوا إلى مصر للمشاركة في مؤتمر الموسيقى العربيّة الذي دعا إليه الملك فؤاد عام 1932. ويلاحظ ذلك التأثر ومزجه بالطابع الشرقي من أول ثلاثيّة بدأ تأليفها وعمره أحد عشر عامًا على مدار ثلاث سنوات عرفت باسم “مصريّات” – “عربيّات” – “أفريقيّات“. ويظهر من خلالها اهتمامه بالموسيقى الفلكلوريّة على غرار بيلا بارتوك.
المزج بين الموسيقى ذات الطابع الشرقي والمقسوم والسلالم السداسيّة
من أعمال حليم الإيقاعيّة
بعد مشاركته في موسيقى أفلام المخرج حسين حلمي، وفوزه بالجائزة الأولى للتأليف الموسيقي بدار الأوبرا المصريّة، وتدشينه للموسيقى الإلكترونيّة بمقطوعة “تعابير الزار“، انتقل حليم إلى الولايات المتحدّة لدراسة الموسيقى. وتعرّف في الخمسينيّات على رائد الموسيقى التجريبيّة جون كايج، وعلى إدوارد فاريز وهنري كوويل واندمج وسط الفنانين الطليعيين، كما عمل مساعدًا لإيغور سترافينسكي.
تعتبر حقبة الخمسينيّات لحليم الضبع أكثر الفترات التجريبيّة التي استغل فيها الإلكترونيات لإنتاج أعماله. ويظهر ذلك على سبيل المثال في مقطوعة Michael and the dragon، التي استخدم فيها آلات الإيقاع بطريقة غير تقليديّة، متحكّمًا في الصوت الخارج منها ليكتشف صوت جديد لتلك الآلات، مستعينًا بمؤثرات صوتية ناتجة عن التردّد والصدى الصوتي. كما استخدم الصوت البشري وأعاد توظيفه كآلة وطبقة موسيقيّة لتندمج مع آلات الإيقاع. واستغل أيضًا صوت المذبذب الإلكتروني (وهو عبارة عن دائرة كهربائيّة تخرج نغمات عن طريق التحكم في الجهد VCO Voltage Controlled Oscillator وهو الجزء الأساسي وأدق جزء مستخدم في آلة السينتثايزر، ولم يكن قد صنّع بعد في هذا الوقت. المحصلة هى تجربة صوتيّة سجلها حليم على شريط ثم قام بإعداد الصوت كما يحلو له.
أبدع حليم في هذا الاتجاه عندما استجاب لدعوة مؤلّف الموسيقى الإلكترونيّة فلاديمير أوساتشيفسكي إلى مركز كولومبيا – برينستون للموسيقى الإلكترونيّة، مستعيناً بأدوات عديدة مثل الطبلة وآلات الإيقاع والفلوت والعود للعزف الفلكلوري، بالإضافة إلى صوته والموجات الجيبيّة والمربّعة Sine and square waves عن طريق أول سينثسايزر مصنّع (RCA). استخدم حليم مرشح صوتي Filter لفصل الموجات المنخفضة أو إظهار النغمات العالية، واعتمد على تكرار الصوت في بعض المقاطع وتوظيف الضجيج الأبيض White Noise. من أشهر أعماله في تلك الفترة Leiyla and the poet، وهى رؤيته لقصة مجنون ليلى، والتي تلخّص التقنيات والأسلوب السابق ذكره. ويعلّق المغنّي ومؤلف موسيقى الروك فرانك زابا على هذا العمل قائلًا إنه من أهم وأكثر الأعمال التي ألهمته فيما بعد.
لم يلق العرض الأول استحسان الجمهور إلا من فئة قليلة، حيث ضحك بعض الجمهور وغضب وهتف البعض الآخر بالقاعة. ولقد حدث هذا بالفعل من قبل في العرض الافتتاحي الأوّل لـ طقوس الربيع لإيغور سترافينسكي قبل ما يقرب من خمسين عام، وهذا ليس رد فعل غريب تجاه أيّة موسيقى جديدة على الجمهور المتلقّي. ولكن يمكن أن نقول إن هذا النوع من التجارب جذب جمهوراً جديداً غير جمهور الموسيقيين، مثل مصمّمي عروض الرقص المعاصر والفنانين الطليعيين، لتكتسب الموسيقى بذلك طابعاً فنيّاً وبصريّاً، وتتحرّر الموسيقى من كونها قائمة بذاتها لتخدم أفرع أخرى من الفن. فُتح الطريق للموسيقى بشكل أوسع في المعارض الفنية والمسرحيات والعروض، كما استخدمت بشكل مختلف وأكثر إبداعًا في الأفلام وخصوصًا لإنتاج المؤثرات الصوتيّة. لذلك لم يكن غريبًا أن يشترك حليم في أربعة أعمال للباليه مع أهم فنانات الرقص الحديث مارتا غراهام، اعتمد فيها على مواضيع خاصة بالحضارة المصريّة القديمة وحضارات أخرى. وتشبه مجموعة الأعمال هذه في محتواها عمله الضخم الذي قام به عام ١٩٦١ للحكومة المصريّة، وهو عرض الصوت والضوء بالأهرامات الذي ما زال يعرض حتى الآن. في هذا العمل يدمج الأداء والإلقاء الصوتي مع الموسيقى، وكما ذكرنا يمكن ملاحظة روح موسيقى شونبيرغ.
فيلم قصير لباليه Clytemnestra للفنانة مارتا غراهام وموسيقى حليم الضبع
جزء من عرض الصوت والضوء بأهرامات الجيزة
من ناحية أخرى لا نستطيع إغفال تأثّره بأفكار الموسيقيين الطليعيين كواحد منهم، من حيث إدارته وتوظيفه للضجيج واعتماده على عنصر الصدفة في أدائه)، واستغلاله لأيّة مادة يعثر عليها وتفاعله معها كأداة موسيقيّة. وهذا هو الأسلوب الذي انتهجه مارسيل دوشامب من قبل في فنه، الذي تأثّر به جون كيدج والطليعيون والدادائيون الجدد وفنانو الواقعيّة الجديدة بأوروبا.
وجدير بالذكر أن تجاربه في هذه الفترة مهّدت لرائد الموسيقى التقليليّة Minimalism ستيف رايتش، الذي قام في بداية مشواره الفني بالتجريب على الشرائط التي أتاحت له اكتشاف تكنيك الإلغاء الصوتي Phasing المتّبع في موسيقى التقليليين، لتسفر تجربته عن مقطوعة It’s gonna rain.
مقطع من It’s gonna rain لـستيف رايتش
مع تطوّر التكنولوجيا في بداية السبعينيّات، انصرف مؤلفو الموسيقى الواقعيّة عن التجريب على الشرائط والتحكم في الأصوات. حيث قام السنثسايزر والمؤثرات الصوتية القياسية Analog pedals، وتطوّر طرق التسجيل والإعداد الصوتي بتسهيل تلك العملية وتوليد عدد لا نهائي من الأصوات.
ولكن حب حليم للثقافات والعادات وفضوله للتعرف على أصوات جديدة مختلفة فتح له المجال للسفر إلى أفريقيا في الستينيّات والسبعينيّات لدراسة ثقافات الشعوب وانعكاسها على موسيقاتهم. ثم عاد مرة أخرى إلى أميركا لينشغل أكثر بالدراسة والتدريس في الكثير من الجامعات من أهمها Kent State University. قام حليم بتعليم الكثيرين عن طريق الأصوات واللغات والرقص واستدعائه الثقافات الأفريقيّة المختلفة لعشرين دولة قام بزيارتها. ويتكلم حليم عن تجربته في أفريقيا قائلًا إن من العادي أن نجد على بعد كل عشرة كيلومترات مجموعة أو قبيلة ذات ثقافات مختلفة عن جارتها، مما يجعل الأفارقة أكثر انفتاحًا لاستقبال الموسيقى والأصوات الغريبة عن أذنهم بسهولة وترحيب. ومن هنا يمكننا الاستنتاج أن الموسيقى في المدينة لا تتمتع بهذه التعدديّة وعدم التجانس التي يجدها حليم في القرى الأفريقيّة، حيث أن أهل المدينة معرّضون لنفس الأصوات الرتيبة والمتجانسة مما يجعل قدرتهم على استيعاب أصوات جديدة أو موسيقى مختلفة مثل الموسيقى الإلكترونيّة والتجريبيّة أكثر صعوبة من أهل القرى الأفريقيّة.
Symphony for 1000 drums وعشق حليم للموسيقى الأفريقيّة
حليم الضبع كنحّات تجريبيّ
بغض النظر عن تجاربه على الشرائط وعمله بمجال الموسيقى الواقعيّة، تختلف موسيقى حليم في كتابتها عن باقي المؤلفين الموسيقيين. فيتّبع أسلوباً مختلفاً عن النوتة الموسيقيّة، يختزل عن طريقه الصوت والنغمات في رموز خاصة به، كاسرًا بذلك الموروث الكلاسيكي ليس فقط في الموسيقى عامةً بل في كتابتها أيضًا. كما اتبع نظاماً آخر في الكتابة عن طريق الألوان، حيث يستطيع حليم الإحساس بلون الصوت وتمييز الاثنتي عشرة نغمة في الموسيقى الغربيّة عن طريق ألوان مختلفة، أما تغير حيويّتها، فينعكس عن طريق تلوينه بفرشاه على لوحة. علاقة حليم القويّة بالأصوات جعلته يراها ويلوّنها ويميّزها، فهو على سبيل المثال يعتبر كل شخص عبارة عن مجموعة اهتزازات يستطيع تمييزها في الفراغ، ما ساعده في تخيله للموسيقى التي يصمّمها للراقصين كي تلائم كل شخص على حسب ما يصدره من اهتزازات.
عن علاقة الأصوات والنغمات بالألوان
من الصعب تخيّل طريقة تفكير حليم الضبع وعلاقته الوطيدة بالأصوات. إذ تميل موسيقاه أكثر إلى التجريب، وموسيقاه ليست الموسيقى السهلة المعتمدة على السلالم المألوفة للأذن. ولكن يمكن النظر إلى موسيقاه من منظور مختلف كأداة أو وسيلة منفتحة لخدمة أى مشروع فني أو بصري آخر. هذا بالإضافة إلى اعتبار موسيقاه متاحة للجميع، وهو النهج الذي سار عليه زملاؤه الذين خرجوا عن النطاق التقليدي للموسيقى الكلاسيكيّة المخصصة للنخبة وأتاحوها في أماكن متعددة عوضًا عن المسارح.
المزج بين الرقص الشعبي والأوركسترا
الطبلة من الآلات المحببة إليه
وبالرّغم من التطور التقني وظهور البرامج الرقمية للتحكم بالأصوات التي حلت مكان نظام الشرائط القياسي القديم وإتاحة التحكم وصياغة الصوت للجميع، إلا أنّ الفضل الأكبر يرجع إلى حليم الضبع ومجموعته في الكشف عن هذا النوع من الفن. حيث استخدم ذلك الفن، وما زال مستخدمًا حتى الآن، في صناعة الشريط الصوتي والمؤثرات الصوتية للأفلام الذي يهتم به المخرجون السينمائيون، ونجد كبار المخرجين يركزون على الإبداع فيه مثل ديفيد لينش الذي يعتبر فن الصوت أحد دعائم أفلامه.
فيلم قصير للمخرج ديفيد لينش يبرز أهمية فن الصوت لديه
يمكن تقييم تجربة حليم الضبع مع الأصوات كتجربة أشبه بالنحّات الذي يقوم بالعمل بمادة معينة وتشكيلها كما يحلو له ولكن من منطلق صوتي. بجانب تجاربه الصوتيّة، يركز حليم على النغمات في أعماله، بالإضافة إلى التركيز على خامة وعذوبة الصوت، وهو ما يسير على نهجه عازفو الموسيقى الإلكترونيّة والكلاسيكيّة المعاصرة والإندستريال روك، والبوست روك والموسيقى المحيطة. أما تجاربه الصوتيّة فتعد حجر أساس استخدام العيّنات الصوتية في الموسيقى البوب والهيب هوب والإلكترونيّة بمختلف أنواعها— وهو ما يعرف الآن بـتكنيك الـ Sampling والشائع الآن عن طريق أجهزة العينات الصوتيّة Sampler، وبرامج التسجيل الرقميّة لإعداد جملة موسيقيّة أو صوت ما.
ما زال حليم يؤلف موسيقاه حتى الآن متمسكًا بنفس الخط الذي اتبعه، عن طريق التسلسل الموسيقي والمقامات والموازين العربيّة والموسيقى الأفريقيّة، واستخدامه لأساليبه الخاصة في كتابة النوتة الموسيقيّة لأعماله، والدمج بين الآلات ذات الثقافات المختلفة، مخلصًا لآلتيه المفضلتين البيانو والطبلة. وذلك فضلًا عن صبغه الموسيقى الغربيّة الطليعيّة والمعاصرة بطابع شرقي.
أعمال حليم الضبع ليست متوفرة مثل أعمال سائر الموسيقيين، فلم يتم تجميعها وطباعتها على أسطوانات إلا في التسعينيّات، وهى متاحة الآن بقلة على الإنترنت ومعروضة للبيع . ولكن من الواضح أن اهتمام حليم بالدراسات والتجريب قد صرفه عن الترويج لموسيقاه والاهتمام بالجانب التجاري منها، لتحتفظ موسيقاه بخصوصيتها أكثر في المسارح وأماكن العروض المختلفة.
في عام ٢٠٠٢، قام حليم بتلبية دعوة مكتبة الإسكندريّة لحضور افتتاحها مصطحبًا معه فنانين أمريكيين لعزف موسيقاه. وقام بالمشاركة في ندوة موسيقية بإدارة المؤلف الموسيقي راجح داوود ومن أشهر كلماته فيها: “أعتبر البيانو كائنًا حيًا، لا أعتبر نفسي مسيطرًا على البيانو، يجري حديث بيني وبينه قبل أن أبدأ التأليف، تتقابل الأصوات في وجداني، أستجيب لها وتخرج منتظمة متّسقة. كل آلة موسيقيّة لها مشاعرها، كل آلة لها تعبير شخصي” ... “بدأت حياتي مهندسًا زراعيًا ثم أصبحت مهندسًا موسيقيًا“.
وفي النهاية، وحتى وإن كان حليم يفتقر للشهرة في بلاده، فإن تجربته تستحق البحث والتقدير وإعادة لرؤية الموسيقى من منطلق وزاوية جماليّة مختلفة.