يحملنا تيرو ودي جاي داي سون في رحلةٍ إلى العالم السفلي، أو الكوكب لوطاني كما يسميه تيرو منذ اللحظات الأولى للألبوم، بتراك بطيء الحركة وغارقٍ في سردية سوداوية مؤلمة. يبدأ الألبوم بصوتٍ محيط وضجيج وشهقاتٍ متكررة لِتيرو، ينطلق بعدها في إلقاء أولى كلماته العدمية عن صراعه “معهم”؛ تلك الكتلة من الأمراض والعقد والسقطات.
منح هوس شب تيرو بالموت أغانيه طابعًا مقبضًا؛ حيث استمر حضور صور الجثث والقبور التي شهدناها بكثافةٍ في إصداراته السابقة، مثل فرماسي وباد تريب وسايبردارك. هنا يصف تيرو مشهد ذبحٍ انتقامي في أغنية ملاك الموت: “قص الراس / خليّ تراس”، كما يعتبر نفسه أساسًا جثّة في أندربلانت: “جثة أنا لازم تتحط وتتحنط”. هذا حال تيرو منذ البداية، وليس مقصورًا على هذا الألبوم أو حتى مكثّفٍ فيه بشكل خاص، وإن استمدّ الإصدار رمزيّة أكثر ثقلًا بسبب كونه ألبوم ما قبل رحيل تيرو.
في أبطال الديجيتال، يحشد شب تيرو أفكاره في اللازمة بكلمات عن العالم الثالث، أو عالمه الموازي / السفلي، بأسلوب عنيف منقوع في الديستورشن. بينما يصف قتل الأطفال وتعذيبهم في ديمون كيبّر: “شصار قبل هذا في دار قتلت ثلاثة صغار” وأندربلانت: “تاو باش نتشنج / تاو باش نخطف صغار بالمبنج.” قد نفهم هوس ريان الدائم بالموت بسبب ما عاناه من آلامٍ نخرت جسده وعقله، ربما من مفعول السموم التي أدمنها هربًا من الواقع. أيًا كانت الأسباب فقد وصل الألم إلى أقصاه في هذا الألبوم.
يقوم الصراع الذي يخوضه تيرو على ثنائية: العالم دار فناء، ومصدر إلهامٍ أثّر على نظرته للحياة وطريقة عيشه. أما المخدرات أو السموم فهي المركبة التي نخترق بها طبقات هذا الفضاء المظلم. يرافق رحلة شب تيرو هذه المرة دي جاي داي سون الذي تفوح رائحة المعدن من موسيقاه. نحن أمام ألبومٍ غارق في بايس خشن وسنثات صدئة وأصوات حادة تفرزها ترددات السنير والهايهات المشبعة بالديستورشن. منح داي سون مجالًا واسعًا لِتيرو ليفرغ طاقته الغاضبة من خلال التنوع الإيقاعي والكثافة الصوتية التي وضعها في الألبوم، كما أعطانا لمحةً عن أسلوبه الخام في تراك سكيت وخاصة في آوترو.
لم يبتعد الألبوم عن الطابع الصوتي لتجربة نادي السم، لكن مع تصورٍ أكثر نضجًا وتماسكًا على مستوى تنظيم التراكات، وخلق نسق استماعٍ مختلف عن الألبومات السابقة للرابر التي لا نعرف أحيانًا بداياتها ونهاياتها. كما مثّل مزيجًا بين حدة وتطرف نادي السم وتجريبية داي سون. لم يغفل تيرو عن ذكر نادي السم في هذا الألبوم “حتى بمليارات نادي السم ما نبدل” (في بين) ليؤكد على وفائه العقائدي للمجموعة.
احتوى الألبوم جوانبًا أخرى من صراعات شب تيرو الأزلية، امتدت إلى الذات الإلهية التي لطالما حمّلها الذنب. يقول في نكاح: “ماهوش فاهم / أنا في حاكم الكون نعارك.” يقارب تمرد تيرو على الذات الإلهية تمرد إبليس وأسطورة الأمير السماوي الساقط، إذ يرى أن تأسيس الكون لم يكن عادلًا منذ البداية، فكيف يمكن للعدل أن يحكم إيماننا وأعمالنا؟ في إصداره السابق داتني الحرابش قال تيرو: “عفسني ربي بدلتو بالخناس.” تحضر هذه الفكرة في هذا الألبوم بشكلٍ واضح منذ المقدمة: “رب واحد أنا زدتو نص وعشت”، مضيفًا بعدها: “بينك وبين أنا قاتلك سبع آلاف شيطان مرجت أنا كيفهم أما في شرهم اندمجت.”
لم تمنع الصور المارقة تيرو من الاستشهاد بالخطاب الجهادي الذي تأثر به في فترةٍ من حياته. يستحضر تيرو علامات جهادية في أندربلانت: “كي فرق حماس” و يصف قدومه بِـ “جاك الإرهاب” في وي ديستروي ذي فاميلي، كما أشار بكل تجردٍ إلى المتاعب التي عرفها من قبل بسبب أفكاره في كلب عربي vs إرهاب: “شاد ارهاب” (متهم إرهاب). لم يسبق أن رأينا مزيج الكفر والتطرف الديني بكل هذه العفوية والصدق. قد تكون النقمة هي الدافع، حيث الكفر بالهيمنة بجميع أوجهها، متجسدةً في ذات إلهية أو في أب، أو في شرطي يقتحم حفلًا لشباب متعاطٍ في أوج نشوته، كما في كلب عربي. يسرد تيرو معاناتنا مع عالمٍ يمقت المتمردين والمختلفين، ويعارض العدل المزيف الذي حُكمنا به ويستعد للتضحية بكل شيء مقابل عالمٍ أنقى.
لطالما برع تيرو في تصوير معاناته وسُمّية المواد التي أدمنها، متنبئًا بموته وبما بعده مرارًا. لم يأتِ الألبوم بثيماتٍ جديدة ولا بأفكار أكثر ظلاميّة من سابقتها، بل كان خلاصة صراعات وصلت أوجها وقدمت لنا جرعة مركزة من فلسفة تيرو.