“أنا الديك اللي باض، والثور اللي اتحلب
القانون اللي اتركن، والدستور اللي انكتب
أنا القاضي والمحامي والمتهّم القتيل
أنا الراجل اللي بشنب بالل نفسه على السرير“
علي طالباب
يبدو الجدل والصراع بين الثنائيّات المختلفة الذي شهدته العقود الأخيرة في التاريخ الثقافي المصري بعيدة الآن، فلا أحد يفاضل بين قصيدة النثر والشعر الموزون، أو بين الذاتيّة في الإبداع والمسافة مع البروباغندا الأيدلوجيّة. هنا تحديداً، وبينما يأخذ إم سي أمين الراب نحو الشارع وتصعد موسيقي الراب والمهرجانات من الشوارع الضيّقة التي يصل بينها “التوك توك“، يظهر على طالباب مطوّراً تقنية “رص الكلام” من الراب نحو ما يصفه أحياناً بـ“روايات شعريّة“.
لا يجد طالباب مشكلة في المزج بين العاميّة والفصحى في أغانيه، أو أن تأتي بعضها فصحى تماماً. ولا يبدو له أن هناك أي تناقض بالاستعانة بصوت أمل دنقل يلقي قصيدة “الكمان” في إحدى أغانيه، وأن يستخدم صوت يوسف رخا – أحد المحاربين القاسيين في قصيدة النثر الحديثة لكل ما يمثّله أمل دنقل – في أغنية آخرى “مضاجعة الوقت“.
على المسرح، لا يقف علي طالباب مثل بقيّة مغنى الراب أو المهرجانات وخلفه “دي جيه“، بل فرقة صغيرة عمودها الأساسي “البايس غيتار” و“الدرمز“. لا يخجل طالباب من التصريح في أغانيه بأن الاشتراكيّة هي الحل، ولا يخفي أحياناً هذه التوليفة الصوفيّة التي تظهر في أغانٍ أخرى. لكن أعمال طالباب ليست موجهّة فقط في “البصق” حرفيّاً على كل رموز السلطة: من العسكر حتى تجّار الدين، بل يبدو واضحاً أن الغضب داخل أعمال طالباب يتوجّه أكثر نحو ذلك البؤس المتزايد في الشوارع الخلفيّة في المدينة.
تفتح آهات أم كلثوم في كلمة “حبيبي” السرديّة الصوتيّة الطويلة لعلي طالباب (14 دقيقة)، يليها طنين بعيد مولّف إلكترونيّاً، ونغمة بسيطة تخفت في الخلفية، ثم يدخل صوت يوسف رخا: “كل هذه السنين/ يا صاحبي/ وكأنّنا هنا عن طريق الخطأ/ ننتظر حتى تفرغ الشوارع/ لنقود مركباتٍ غير مرّخصة/ ونواجه جنود المعابر بالضحكة الصفراء والنقود/ نحلم بأماكن ولو وجدت/.. نحن لا ننفع لها، يا صاحبي“.
وكما في أعمال أخرى لطلباب، فالغلظة وخشونة الألفاظ ووحشيّة الصور تنتشر في السرديّة: وجه آخر لخشونة الثورة. إنّه الغضب الانفعالي وما يصفها الخبراء والمحللين السياسيين بـ“المراهقة الثوريّة“.
روح جديدة لا تفهمها النخبة السياسيّة ذات الشعر الأبيض التي تتصدّر المشهد، ويستمرون في ترديد أسئلتهم الحائرة أمام هذا الغضب المراهق، يتساءل السياسي “ما الذي يريده الأولتراس؟ ما الذي يريده شباب الثورة؟“
يعطيهم على طالباب إجابة مختصرة: “بالنسبة للدولة، إرداة إله/ يعنى ملكيش ديّة/ خليها تتحرق بعشوائياتها بعششها في الضواحي/ بشحاتينها مشوهّينها/ باللي حاكمنا في برج عاجي/ خليها تنطبق بلجانها/ بلوائحها/ ومجالسها/ ونظامها الضريبي. خلى سمواتها السبع فوقها تنفجر“.
التصميم لـ Ganeen