حقق الثنائي بوي هارشر شهرة واسعة منذ ألبومهما القصير الأول Lesser Man، ملتزمين بالصوت الثمانيناتي للـ كولد وايف ١، والذي يجمع الكلمات والألحان السوداوية مع الاعتماد على العنصر الراقص. في ألبومهما الطويل الأول Yr Body Is Nothing، حافظ الثنائي على ميلهما نحو الـ لو فاي Lo-Fi، مستخدمين التايب (التسجيل باستخدام شرائط كاسيت) لمحاكاة صوت حقبة الثمانينات، والتي للمفارقة كانت فرقها تسعى إلى تنقية صوتها كلما أمكن ذلك. بدايةً من عملهما الثالث Country Girl، بدأ الثنائي بالتنازل عن جماليات الـ لو فاي، وركّزا بشكلٍ أكبر على الطابع الراقص عبر ألحان أكثر جاذبية كما في أغاني موشن وكانتري جرل، لينضج أسلوبهما الإنتاجي ويصبح صوتهما عريضًا بشكلٍ أكبر، تمهيدًا لصدور ألبومهما الجديد Careful.
يفتتح كايرفول بأغنية Keep Driving، التي يذكرنا إيقاعها غير التقليدي بالطابع التجريبي الصناعي لفريق ثروبينج جريستل. يخيّم صوت ماثيوز الرخيم على الأغنية، فيما يأخذ سنث بروفت 6 الصدارة بصوته الغليظ، والذي يبقى حاضرًا على مدار الألبوم. تؤهل الأغنية مستمعها لشحنة من الأصوات المنعشة والراقصة والمظلمة في آن.
تتضح سمات الألبوم حين يبرز القسم الإيقاعي ويتولى الصدارة في المِكس، على خلاف أعمال الثنائي السابقة. بالإضافة إلى الأصوات الصناعية الواضحة التي تضاف فوق الطبقات الإيقاعية لتمنح الأغاني حيويتها، يتلاعب الثنائي بدرجات صوت السّنثات، متخلين عن الدوزان المنضبط لصالح الحصول على خامات صوتية كثيفة. يظهر كل ذلك في أغنية LA التي تختزل أفضل ما في الصوت التقليلي للألبوم، عبر توظيف عدة سنثات بخاماتها المختلفة بشكلٍ متكامل. تشي الأغنية ذاتها (إلى جانب أغنية The Look You Gave) بتمسك الثنائي بالصوت الثمانيناتي الاستعادي الذي يتجلى بشكلٍ فج باستخدامهما للصوت المعروف بالـ صاعقة الوترية.
تبدو أغنية Come Closer بإيقاعها السريع كموسيقى تصويرية لفيلم آكشن ثمانيناتي، كما تحمل تأثرات بـ نيو أوردر من حيث طريقة الغناء وتوظيف السّنثات. يصبح تأثر الثنائي بأفلام الثمانينات أكثر وضوحًا في الفيديو المخصص لأغنية Face The Fire، والتي تظهر تأثرهما بـ دايفيد لينش. تأتي أغنية Crush كهدنة بعد الإيقاع الراقص السائد في الألبوم، لتؤكد على حضور الجانب المحيط Ambient والمشاهد الصوتية النغمية في الألبوم. أما Lost وTears فهما أكثر أغاني الألبوم تقليليةً وتشبعًا بالأفكار، يقودان إلى النهاية الملائمة للألبوم في أغنية كايرفول، وهي درون مظلم لمدة تقترب من دقيقتين.
ينسجم غناء ماثيوز الحميمي والمستقر وأحادي الطبقة (تغني في أوكتاف واحد) مع أصوات السنثات ويندمج معها، معززًا الطابع المظلم للألبوم. كما لا تبتعد مواضيع الأغاني عن هذا المزاج، عبر تناولها ثيمات تقليدية تعبِّر عن تجارب ومشاعر ماثيوز الشخصية، كالعلاقات والأحلام والفراق واللذة.
يضعنا ألبوم كايرفول في منطقة حرجة، وهي الجاذبية التي تعتمد بقدر ما على النوستالجيا في مقابل الرؤية النقدية التي تسعى إلى ما هو جديد. فعند الاستماع للألبوم، يبدو كعمل مفقود من الثمانينات، إذا استثنينا عنصر الزمن منه، سنعثر على عمل متكامل من الناحية الصوتية والإنتاجية واللحنية. حتى توجه بوي هارشر الحديث نحو إنتاج صوت أنقى وأكثر تفصيلًا وألحان أكثر جاذبيةً، يبقى محدودًا ببقاء باقي العناصر كطريقة الغناء والإيقاع والمواضيع وتوظيف السنثات والمؤثرات، جميعها حبيسة الثمانينات. قد يرجع ذلك إلى الطابع العدمي للموجة ولثقافة الجوث غير المبالية وشعورها الاغترابي، لكن من ناحية أخرى قد يكون هذا الجنرا لم يتشبع بعد، الأمر الذي يجعل المستمع لا يمل منه، وفي نفس الوقت يفتح المجال للفضول حول ما سيقدمه بوي هارشر من جديد في المستقبل.
١ عندما دخلت السنثات والدرم ماشينز على البوست بَنك في نهاية السبعينات، أدت إلى ظهور توجهين جديدين. الأول هو النيو وايف الذي أخذ اتجاهًا تجاريًا، أما الثاني فقد أخذ جانبًا مظلمًا وحالمًا ويسوده الغموض، متأثرًا بثقافة الجوث، ما جعله أقل شهرة. استمر الـ كولد وايف Cold Wave بالانتشار في فرنسا وبلجيكا وألمانيا حتى بدأ صوته يخفت في التسعينات، قبل أن يعود بحركة استعادية منذ منتصف الألفينات بفضل شركات تسجيل مثل ويرد يركوردز ومينيمل وايف، وفرق مثل بوي هارشر وزينو أند أوكلاندر وليبانون هانوفر وإِساي با وجيومترك فيجن وشي باسد أواى وذَ أجنس سيركل والعشرات غيرهم.