“غالبية التراكات اللي أنا نزلتها دي كنت تراكات مكتوبة على إيقاعات بووم باب أولد سكول، ونزلت على إيقاعات تراب. تغير المزيكا دي يحتسب لتشيتوس (…) أنا كنت متخيل إنه مستحيل نقول مواضيع دي على إيقاعات تراب بس لقيت تشيتوس بيعملها (…) هو أما كان داخل الـ ٩٩ قالي أنا مش هراب، أنا هشتغلكوا على المكسينج والماسترينج” – مقابلة معازف مع عبد الرحمن جمال، المعروف بـ سايكس، مؤسس عصابة الـ ٩٩
منذ ٢٠١٦، كان الرابر ومهندس الصوت تشيتوس (حسن مصطفى، ٢٤ سنة) مسؤولًا عن قفزات سابقة لزمنها على مستوى المزج والإتقان في مشهد الراب المصري. في البداية، نزّل مكستايب تشِك ذَ مايك، الذي جمع بخشونة جذّابة بين راب العصابات والتراب، ثم انضم إلى عصابة الـ ٩٩ وأصدر مكستايب تشِه ومكستايب ستار، اللذان حققا حوالي مائة ألف سماع لكل منهما، وقدّما تشيتوس كأحد أهم مهندسي الصوت في الراب الشارعي في مصر، بتوجهه الميّال للأصوات المحددة والصافية والقوية، الذي يمكن نسبه لمدرسة مترو بومِن.
في منتصف العام الماضي، كان تشيتوس يستعد لإصدار مكستايبه الفردي الجديد: صاحبي، الذي نزّل منه عدة أغاني منفردة مثيرة للحماس، من بينها الأغنية المصورة مصلحتي. مع اقتراب وقت صدور الألبوم في كانون الأوّل / ديسمبر الماضي، كان تشيتوس يعاني من احتداد أعراض الإدمان وبعض مشاكل حياة الشارع، لدرجة اضطرته لحذف كافة حساباته وقنواته على الإنترنت والانسحاب لبرنامج نقاهة امتد لأشهر، قبل أن يعود في بداية نيسان / أبريل الجاري ليصدر المكستايب تحت عنوان: مزور.
قام تشيتوس بتسجيل ومزج وإتقان الألبوم في استوديو غرفته، واستخدم بيتات مجانية من الإنترنت لعدم تخصصه في صناعة الإيقاعات، لكن هذا جاء في مصحلة الألبوم، الذي أخذت أغانيه توجهات مختلفة بفضل تنوع البيتات التي تم استخدامها. تحمل أغنية مصلحتي عينة صوت إنذارية تبدو كصوت سيارة شرطة تتكرر على طول الأغنية، لتنقل حالة العيش برفقة قلق وتوجس مستمرين. تدور الأغنية حول الأنانية الدفاعية التي تأتي بعد فترات طويلة من الضغط. الكثير من العُصابية والتوتر في كلمات الأغنية التي تنتقل أحيانًا من عرض المساعدة إلى التلويح بالتهديد دون أسباب واضحة.
تمتاز أغنية مزور بصوت معاصر يأتي من البايس المشوّه (distorted bass) والتوزيع التقليلي والاستخدام الاقتصادي للـ آدليبس، فيما ينقل تشيتوس بشكلٍ مقنع الروح الانعزالية العدائية في الكلمات إلى صوته الأوتوتيوني الخشن. في أسود، يدير تشيتوس دفة الألبوم باتجاه مختلف كليًا توزيعيًا، ليختار بيت يعتمد على العينات الوترية والناي والأصوات الغنائية القريبة من الريجي. تبدأ الأغنية بعبارة تحمل هشاشة غير متوقعة: “أكلمها والوقت متأخر / عامل حالة وبسكر”، يغنيها تشيتوس بصوت لا يخلو من الخجل، قبل أن يرتاح صوته مجددًا عندما تعود الأغنية إلى مواضيع أكثر تقليديةً.
ذات واي وحالة هما أكثر أغاني المكستايب طاقةً، وظّف فيهما تشيتوس خبرته في المزج والإتقان والتأليف لتبدو البيتات وكأنها مفصّلة له. تأتي طاقة ذات واي من المجال الديناميكي (الفرق بين أعلى وأخفض صوت) الواسع في الأغنية، فيما تعتمد أغنية حالة على إيقاعات تراب منعشة مدعومة بأصوات محيطة في الخلفية. تتناول الأغنيتان بشكلٍ مباشر حالة الرهاب الاجتماعي: “فاقد الثقة بالناس / كان عندي صاحب بس مات” و”حالة قرف مش بنام / بفكر كتير، مش تمام / الليل بيجي وبخاف / بكره بصّات الناس.”
يعيد تشيتوس توجيه الألبوم إلى مزاج توزيعي جديد في أغنية بكدب، مستخدمًا بيت فيه سطر بايس قريب من الجاز وعينة غنائية تتكرر باستمرار، بشكلٍ يذكر بالتوجه الذي أخذه جاي زي في ألبومه الاعترافي الأخير ٤:٤٤. في الستينات، استخدمت فرقة جيفرسن آيربلاين رواية آليس في بلاد العجائب كمجاز للحديث عن رحلة المخدرات الهلوسية، وبشكلٍ مشابه قرر تشيتوس تسمية الأغنية الأخيرة من المكستايب: تايه في بلد العجايب، واصفًا حياته اليومية كـ باد تريب في بلد ديستوبي: “ما بينا وبين الموت مش كتير / الوقت مش واضح / اتكلم في المضمون / لازم تفوق / تايه في بلد العجايب.”
أنهى تشيتوس تسجيل هذا المكستايب قبل فترة النقاهة، لذلك من الطبيعي أن يمنحنا العمل نظرة على ما كان تشيتوس يعاني منه في الفترة الأخيرة، إذ يبدو كـ باد تريب طويلة من سبعة فصول، ترسم تفاصيل شبحية لحياة مثقلة بالرهاب والتوجس ومواسم طويلة من التوتر والظروف الصعبة: “عارف إن الغلط ديمًا بيجي من كتر القرف.” لكن المكستايب لا يدور حول الإدمان بقدر ما يدور حول مقاومته والرغبة باستعادة الحياة “حاسس بموت بالبطيء / الخير في قلبي مش ضعيف.” بينما لا تزال براعة تشيتوس في الراب وهندسة الصوت نقطة قوّته الرئيسية، جاء صراعه الأخير ليمنحه ما كان بحاجته لقطع قفزة جديدة بعد، وتسجيل أفضل مكستايباته حتى اليوم.