أينما وجد الإيقاع، ستحاول ميريام فارس أن تتبعه. خاصةً بعد ما أثبتت محاولتها الأخيرة، غدارة يا دنيا، صيف العام الماضي، أن التوجهات الهادئة الدرامية لا تليق بها ولا تقنع جمهورها. أما الأغنية الراقصة فتدعم مشروع المطربة التي منحت نفسها منذ سنوات طويلة لقب ملكة المسرح وعملت جاهدة لتكريسه. حافظت ميريام منذ بداية مسيرتها في أنا والشوق عام ٢٠٠٣ على مساحة مخصصة للرقص، تظهر مدى جديتها تجاهها بتكرار ظهورها في أكثر من فيديو كليب بملابس التمرين داخل قاعة رقص احترافية، مراقبةً انعكاس حركاتها الدقيقة في المرايا التي تسور المكان.
منذ صدور مكانه وين، مرورًا بـ هقلق راحتك ودقوا الطبول وشوف حالك عليي، وانتهاءً بـ قومي الصادرة قبل حوالي أربعة أعوام، كانت رؤية ميريام فارس الفنية لمسيرتها واضحة كالشمس. كثّف غناؤها وأداؤها للأغنية الإيقاعية الراقصة، وخاصة الخليجية منها، من حضورها في عالم الحفلات والمهرجانات، وقبل كل شيء حفلات الأعراس التي جعلت منها نجمةً عالية الأجر. وجدت ميريام الأمر مدعاةً للمفاخرة في أحد المؤتمرات الصحفية قبل عامين: “صرت شوية تقيلة ع مصر.”
أثار التصريح غضبًا كبيرًا وهجومًا إعلاميًا أضعف من شعبية “ملكة المسرح” في مصر. مع ذلك، عادت في رمضان الماضي مقدمةً إعلان زهرة لشركة معمار المرشدي التي انتقلت من كونها أغنية إعلان إلى أغنية ضاربة من دقيقتين استمرت نجاحاتها طوال صيف العام الماضي. يصعب مع كل هذا ألا يشاد بالمثابرة والاجتهاد التي قادت هذه المسيرة إلى الاستمرارية، والنجاحات المتتالية، وتحقيق الأرقام القياسية.
ربما في رغبة في التنويع والتجديد، أو لخوف من الوقوع في التكرار، اختارت ميريام في أغنيتها المنفردة الجديدة معليش، الصادرة قبل أيام، أن تتبع اتجاهًا جديدًا، حيث تقدم بحسب تعبيرها “الفن الأمازيغي باللهجة المغربية، حبًا وتقديرًا لهذه الشعوب.” يُحسب للفنانة اللبنانية الحذر في تسمية ما تقدمه هنا باللفظة الأكثر عمومية: الفن الأمازيغي، فلا تحدد وبالتالي لا نعلم إن كانت تقصد بهذا الفن الأغنية أم الإيقاعات أم الرقص أم الأزياء، المهم أن هناك ما هو أمازيغي حيال هذه التجربة.
تأتي أغنية معليش بقافية موحدة طوال الأغنية تقريبًا، ومفردات بسيطة أقرب إلى لهجة مغربية بيضاء، وفي حالة أغنية مهداة إلى الثقافة الأمازيغية، لهجة مساوِمة. وضع كلمات الأغنية ولحنّها الملحن والمغني الكويتي يوسف العماني. قدّم هذا الملحن لميريام خلال العشر سنوات الماضية أشهر أغنياتها الخليجية مثل خلّاني والزير ودقوا الطبول، لكن تعاونهما في معليش يأتي مثيرًا للاستغراب. إذ من المتوقع لخيار جريء بحجم تقديم أغنية أبسط وصف لها أنها مهداة للثقافة الأمازيغية، أن يُلجأ بداية لأصحاب الاختصاص من العالمين والخبيرين بهذا اللون.
ما اختارت ميريام فعله هنا، كان تكرار تقديم تعاونها الخليجي الأخير الضارب، متقمصًا لهجة مغربية مرجعيتها أغنيات سعد لمجرد. يذكرنا هذا بطريقة ما، بمشهد من فيديو كليب قومي، دهنت ميريام فيه وجهها باللون الأسود لدى أدائها لرقصة إيقاعية إفريقية. فعليًا، الجانب الوحيد المغربي الذي قد يجعل من معليش أغنية مغربية هو التوزيع الذي وضعه المنتج المغربي حميد داوسي، واختياراته الآلاتية التي أكسبت الإيقاعات تأثيراتها المحلية.
تحتفي التعليقات التي تتبع الأغنية على يوتيوب بخيار التوجه إلى المغرب والاحتفاء بثقافتها الغنية، كما يشكرها الكثيرون على تعريفها بتراث المغرب ولفت النظر إليه. لا يمكن بالطبع إهمال صوت المتابعين وآرائهم التي تقرر وحدها في النهاية مصير الأغنية ومدى نجاحها وصمودها مع عامل الزمن. لكن لا يمكننا كذلك أن نثق بشكل أعمى بهذه التعليقات ومصداقيتها، مع إمكانية وسهولة فلترتها وحذف السلبي المعترض منها، خاصةً وأن التمجيد الذي تحظى به ميريام عبر يوتيوب يتعارض مع السجال الذي انتقل إلى منصات مختلفة حول مدى أصالة هذه المحاولة، ونجاحها بالاقتراب من الثقافة الأمازيغية.
تكرر ميريام مع صدور معليش ما فعلته عند إصدارها لأغنية قومي ارقصي باللهجة الخليجية. تطلق تحدي رقص عبر صفحتها على إنستجرام، وتدعو فيه جمهورها لتكرار حركاتها الراقصة المفضلة على إيقاعات أغنيتها الجديدة، وتعد بأنها ستشارك الفيديوهات الأفضل التي تصلها. يظهر أن الحركة التسويقية المكشوفة قد نجحت بشكل كبير في المرة الأولى حتى تتكرر اليوم بالأسلوب ذاته. الهدف إذًا واضح وبسيط، أغنية راقصة ضاربة كما سابقاتها. وإن كانت ميريام محظوظة في السابق بأن يقودها الخبراء من يدها إلى تحقيق ذلك في الساحة الخليجية والعراقية، إلا أنها على ما يبدو دقت الأبواب الخاطئة لتستعين بها حينما رغبت بالتوجه نحو المغرب الكبير.
تفرض الخصوصية، وعمق التاريخ المرتبط بالأمازيغية الشمال إفريقية وفرعها المغربي، البحث المكثف والغوص العميق قبل الخروج بنتاج فني ينسب نفسه إليها أو يتحدث باسمها؛ وإلا، سيجد الفنان العربي نفسه أمام أحد سيناريوهات الاستشراق الذاتي، حيث يتحول إلى رجل أبيض يأتي بفضوله من دول العالم الأول إلى مجتمعاتنا ليسبح مدهوشًا بالقرب من السطح، دون أن يجرؤ على اختراقه.