في ٢٠١٣، ظهر سبعة مراهقين إيمو في فيديو نو مور دريم. تناقضت باراتهم السريعة وطاقتهم المتفجرة مع أشكالهم البريئة. كان هؤلاء بي-تي-إس، في بداية رحلتهم الملحمية. انتقلوا من مجموعة تؤدي هيب هوب أمريكي بالكورية إلى شكلٍ مختلف يمثّل هويتهم وما يريدون قوله، ليكونوا الفرقة الأشهر عالميًا. بي تي إس، اختصارًا لأولاد بانج تان: فتيان ضد الرصاص.
وُضعت الموسيقى الكورية تحت رقابة شديدة أثناء وبعد انتهاء حكم الدكتاتور بارك تشونغ هي في نهاية السبعينيات، والذي فرض قيودًا صارمة على الحرّيات خلال حكمه الذي امتد لستة عشر سنة. اغتيل بارك على يد رئيس المخابرات، وبدأت الحياة في كوريا بالانفتاح، لكن بقي التلفزيون والراديو تحت سيطرة ضوابط متعبة من متزمتين كان بيدهم القرار لإشهار مطربٍ ما أو منعه من الظهور – مثل هاني شاكر. وصف هؤلاء موسيقى البوب الكورية وقتها بأنها يابانية بإفراط، ما كان دلالة على الانحلال، وقيل إنها غربية، ولم يجر بثها على التلفاز أو الراديو.
توازى تخلّص كوريا الجنوبية من الحكم الديكتاتوري مع حاجة البلاد لإنعاش اقتصادها ومحاولة وضعها ضمن مناطق آسيا التي تستقطب اهتمامًا عالميًا. توجّهت جهود الحكومة الكورية نحو خلق حركة اقتصادية تجذب السيّاح، فجاءت موجة الهاليو كما سُميّت في التسعينيات. تركّزت أهم أهداف الموجة على صناعة هوية كورية في الموسيقى والسينما والتلفاز. اكتسبت الموسيقى دورًا كبيرًا في هذه الموجة مع ظهور فرق الكاي بوب وتصدّرت الموجة فرقة سيو تايجي أند بويز التي تأسست خلال الثمانينيات، واستمرت الموجة في التطور حتى اليوم. تركّز الاهتمام العالمي نحو الكاي بوب مع ظهور فرق عديدة، لكن القنبلة التي فجّرت هذا الاهتمام جاءت بعد ٢٠ عامًا مع أغنية ساي، جانجام ستايل، المتأثرة بشكلٍ واضح بالبوب الغربي وليس الكاي بوب. رغم ذلك، سلطت الأغنية الضوء على كوريا الجنوبية وما يمكن أن يخرج منها.
ظهرت في الستينيات مجموعات الجاي بوب القادم من اليابان، والتي كانت سبّاقة في استيراد الثقافة الأمريكية ومزجها بالمحلّية. اكتسب الجاي بوب شهرته في التسعينيات واستمرت حتى اليوم. مؤخرًا، أصبحت تظهر لمتابع الجاي بوب على يوتيوب اقتراحات لمجموعات السي بوب الصينية التي تمزج بين الفلكلور الصيني والبوب الغربي. تختلف المجموعات الآسيوية في توظيفها للجنرات، لكنها تملك جميعًا تشابهات في نواحي أعداد الفِرق وتشكيلاتها، والأسلوب المرِح والرقصات والستايل. يكمن الفرق في أن المجموعات الآسيوية، باستثناء الكاي بوب، لم تحقق العالمية. فالصين مثلًا، حيث تعداد السكان يكاد يصل المليار والنصف، بالإضافة إلى الشعوب التي تتحدث لغتها مثل ماليزيا وسنغافورة، لديها كم بشري كافٍ لبناء قاعدة جماهيرية ضخمة.
تشكّلت فرقة بي تي إس مع آر إم، قائد الفرقة، وتبعه ستة أعضاء، جين، جيمين، جانغ كوك، شوجا، في وجاي هوب. بدأت الفرقة بعد ترسيمها بأسلوب محدد: ثلاثة أو أربعة ألبومات في سلسلة واحدة. بدأت مسيرة الفرقة مع ألبوم تو كول فور سكول، وتبعه في السلسلة ثلاثة ألبومات بأسلوب هيب هوب غارق في أمريكيته: سكول لَف أفّاير، أوه! آر يو ليت تو ودارك أند وايلد. في السلسلة الثانية: ذَ موست بيوتيفول مومِنت إن لايف؛ بدأت هوية الفرقة الكاي-بوبّية بالتشكّل في الجزء الثاني منها، وصار للراب دور شرفي يتناسب مع ستايل البوب والتأثيرات الإلكترونية. دفعت الفرقة حدود الإبداع حين صدر ألبومها الأكثر نجاحًا: وينجز.
ركّزت الفرقة طاقاتها الإبداعية في الكلمات والأداء والتصوير والحبكة في وينجز. ظهرت العديد من التحليلات للمقطع التشويقي الأول من الفيلم القصير المرافق للألبوم، والذي حمّس المتابعين لهذا العمل، وبدأوا برميّ نظرياتهم في كل بقعة على صفحات الآرمي. اكتشف المولعون بالفرقة والباحثين عن أدق التفاصيل في الصوت والصورة أن آر إم يسرد مقاطعًا من رواية دِميْان لـ هيرمان هسه. قرأ الأعضاء السبعة الرواية وأغرموا بها، وأكثرهم آر إم، المهتم بالفلسفة والأدب، واكتشفوا التشابهات بين رحلة البطل وما يرغبون قوله، فخرجوا منها بثيمة لألبوم وينجز.
بُني الألبوم كله حول دِميْان، بدايةً من الإنترو: بوي ميتس إيفل، الفتى يقابل الشر، وهي الفكرة التي تشكّل حجر الأساس لأحداث الرواية. تدور أحداث دِميْان حول شخصيتين: إميل سنكلير، القادم من خلفية متدينة، والذي يواجه مشاعر الذنب للمرة الأولى في حياته. يتبعها لقاؤه بـ دِميْان، الذي يجسّد دورًا مهمًا في حياة إميل، وهو صورة الشيطان أو الشر. تسري الرواية من منظور إميل عبر منعطفات نفسية تتمثّل في التردد والخوف، والانبهار، والحرية والانفلات، ويستكشف الفتيْان معًا جوانب فلسفية حول الصراع الأزلي بين الخير والشر، والنضج، والوعي الذاتي.
في بلود، سوِت أند تيرز، تتداخل الرمزيات المُشكِّلة للرواية مع نظرة أعضاء الفرقة في تصوير الفيديو. تقع أحداث الفيديو في قصر معزول يحيطه العدم / السواد، وتملأه تماثيل ملائكة ومنحوتات مجنّحة. نرى التركيز على لوحة معلّقة في قاعة القصر الرئيسية: سقوط الملائكة الثائرة لبروغل الأكبر. تروي اللوحة حكاية معركة القديس مايكل وجيش الملائكة ضد الشياطين والمخلوقات الهجينة التي تمثّل الشر. تتماشى حكاية اللوحة مع ثيمة رواية دِميْان، والمنظور الذي يتكوّن منه ألبوم وينجز.
يستمتع أولاد بانج تان في دَسّ رمزيات كتبهم المفضلة في أعمالهم: في سبرينج داي، نجد إشارة لـ رواية السائرون بعيدًا عن أوميلاس، يظهر اسم مدينة أوميلاس بأضواء نيون ويلعب جانغ كوك دور الفتى البائس في الفيديو المصوّر. يوجد إشارة أيضًا لكافكا على الشاطئ لهاروكي موراكامي بشكلٍ مباشر في باتر-فلاي: “لا أعرف لو كان هذا حلمًا أم حقيقة / كافكا خاصتي على الشاطئ / لا تذهب نحو تلك الغابة.”
بعد وينجز، استمرت الفرقة في دفع حدود تجريبها الموسيقي في سلسلتيّ لَف يورسيلف وماب أوف ذَ سول. ووصلت مع أغانٍ ضاربة مثل فيك لَف وآيدول وبَتَر إلى تحصيل مليارات المشاهدات، ليكونوا أول فرقة جنوب-كورية تترشح لجائزة جرامي. بعد استضافتهم في برنامجيّ ساترداي نايت لايف وذ ليت شو، اكتسبوا اللقب الذي يبدو ملائمًا جدًا، البيتلز الجدد، إذ أصبحوا أول فرقة تحتل ثلاثة من ألبوماتها قوائم البيع في عامٍ واحد بعد البيتلز.
تمثّل بي تي إس قمة نجاح موجة الهاليو، حيث أن ١ من كل ١٣ سائح في كوريا الجنوبية يزور البلاد بسبب الفرقة. في ٢٠٢٠، ازداد عدد المهتمين بتعلّم اللغة الكورية ١٦ ألفًا، أغلبهم من محبّي الكاي بوب ومتابعي الكاي دراما. افتتحت مؤسسة كينج سيجونغ فروعًا حول العالم تقع أربعة منها في الإمارات والبحرين ومصر وإيران، وتجذب طلابًا تزداد أعدادهم سنويًا. ما تزال الفرقة تحصد معجبين جدد كل يوم، وأصبح ترشّحهم لجوائز كالجرامي أمرًا اعتياديًا بعد أول ترشيح عن أغنية بَتَر في ٢٠٢١، وجولاتهم حول العالم لها معجبين مخلصين وآخرين شغوفين بالنوع الموسيقي الذي يقدمه سبعة شباب تعلّم قائدهم الإنجليزية من فرندز.